اللاجئون في السودان.. قضايا متجددة لن يحلها التجاهل أو التساهل
بعد قلق والي الخرطوم تجاههم
الخرطوم _ محمد إبراهيم الحاج
لم يعد مستغرباً منظر (دفارات) الشرطة وهي تقف في منتصف شوارع أحياء مثل (الديم) و(الجريف) يتكوم داخلها عدد كبير من الأجانب (الإثيوبيين والإريتريين) الذين تتراص أجسادهم جنباً إلى جنب، تمهيداً لسوقهم إلى الجهات المختصة لتوفيق أوضاعهم أو ترحيلهم إلى بلدانهم، كما أنه لم يعد مستغرباً أن تجد عشرات الوافدين من دولة جنوب السودان يتخيرون أماكن محددة تبين كثافتهم العددية داخل العاصمة الخرطوم، والذين تضاعفت أعدادهم لأكثر من مليون بعد الحرب الأهلية التي اشتعلت بالدولة الوليدة.. ومشهد آخر يبدو قريباً مما سبق يبرز كثافة السوريين داخل السودان يتمظهر في كثرة وجودهم بالشوارع العامة وعملهم بالكافيتريات والمطاعم بأرقى أحياء العاصمة الخرطوم، وتشكل تلك الفئات الغالبية العظمى من الوافدين الذين يقيم أغلبهم بطريقة غير مشروعة بالبلاد، وقال كثيرون إن السلطات تتسامح في بقائهم ووجودهم داخل البلاد بسبب ظروف بلدانهم التي تعاني من ويلات الحروب والصراعات الداخلية والأزمات الإنسانية، وهذا الوجود (العشوائي) ساعد في انتشار كثير من المظاهر السالبة مثل زيادة الجرائم المستحدثة والاحتيال والضغط على الخدمات والبنى التحتية وانتشار الأمراض والأوبئة.
{ وجود كثيف.. متزايد
هذا الوجود الكثيف، وربما غير المدروس الذي لا تستفيد منه البلاد في شيء، هو ما دفع والي الخرطوم الفريق ركن “عبد الرحيم محمد حسين” إلى إبداء قلقه البائن عبر تصريح نشرته صحف الخرطوم، أمس، وأشار إلى ضرورة حسم أي تفلتات أمنية من الأجانب. ووجَّه الوالي الأجهزة الأمنية باتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة والحسم اللازم لأي تفلتات أمنية تحدث من قبل الأجانب، حفاظاً على أمن الولاية الذي يعدّ خطاً أحمر غير مسموح بتجاوزه لأية جهة كانت، كما وجَّه الوالي خلال اجتماع اللجنة المختصة برئاسته، بإزالة كل أشكال الوجود غير الشرعي والعشوائي للأجانب، إنفاذاً لقرار الخرطوم خالية من معسكرات اللاجئين.. وجاءت الخطوة في إطار إجراءات ضبط الوجود الأجنبي بولاية الخرطوم.
وأكد في ذات الصدد معتمد الرئاسة “الرضي سعد حامد” مسؤول ملف الوجود الأجنبي بالولاية، عقب اجتماع اللجنة برئاسة والي ولاية الخرطوم، أن الأجهزة الأمنية والشرطية اتخذت التدابير اللازمة لإنفاذ قرارات وتوجيهات الوالي الداعية إلى ضبط الوجود الأجنبي والحفاظ على أمن الولاية.
كان الوجود الأجنبي بالسودان في السابق محصوراً في اللاجئين والمتسللين من دول الجوار الشرقي والغربي بسبب الأوضاع الأمنية، ولم يكن للاجئين قبل تلك الفترة حرية التحرك إلا نادراً من الذين يتسللون من معسكرات اللاجئين، وكان بإمكان السلطات تطويقهم لقلة أعدادهم ومحدودية أماكن وجودهم.. وبالرغم من المخاطر الأمنية والاجتماعية التي كان يمثلها تسلل الأجانب بالحدود في ذلك الوقت، إلا أن حجم المخاطر كان ضئيلاً إذا قارناه بالخطر الذي يشكله الوجود الأجنبي بهذه الكثافة في الوقت الراهن دون تقنين أو تنظيم.
ويصنف الأجنبي في القوانين والأعراف بأنه من وفد إلى بلد من بلد آخر طوعاً أو كرهاً لأي سبب من الأسباب. وهناك الكثير من العوامل التي جعلت السودان أكبر مستقبل للوافدين من دول الجوار بسبب حدوده الدولية الممتدة التي تصعب السيطرة عليها والقبائل المشتركة والصراعات السياسية والقبلية، فضلاً عن تدني المستوى المعيشي في عدد من الدول المجاورة، إلى جانب عبور أعداد كبيرة من رعايا أواسط وغرب أفريقيا إلى الأراضي المقدسة عبر السودان.
وقد تزايدت أعداد الأجانب بشكل غير مسبوق في السنوات القليلة الماضية من دول الجوار، مما حمّل السودان أعباء كبيرة انعكست على مستوى معيشة المواطن السوداني ومستوى الخدمات المقدمة له. ونتج عن ذلك ارتفاع معدلات الجريمة واتساع نطاق جريمة الاتجار بالبشر. وحذرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من مخاطر تزايد أعداد اللاجئين والنازحين في دولة جنوب السودان.
وأفادت المفوضية، في بيان صحفي في وقت سابق من هذا العام بأن عدد اللاجئين والنازحين جراء الأزمة في دولة جنوب السودان تجاوز حاجز (1.5) مليون شخص، مضيفة إنه “مع النزوح واسع النطاق أضحت الأزمة الآن الأكبر في أفريقيا والثالثة عالمياً، بعد سوريا وأفغانستان، ولكن مع اهتمام أقل ومستويات مزمنة من نقص التمويل”. ويعتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة بحري “علي الحاج” في حديثه لـ(المجهر) أن السودان أكثر الدول الأفريقية التي مكنت الأجانب بفتح فرص الاستثمار الخاصة والعامة، وتداخل الأوراق بين المصالح الشخصية لأفراد بالحكومة، والأهم والأكبر ربح خاص لأصحاب القرار، بالإضافة إلى ذلك فإن عدم مراعاة مصالح عامة الشعب فتح الباب للأجانب ومنحهم المجال للسيطرة على بعض المجالات، هذا بدوره أثر في المجتمع بجميع المجالات خاصة المجال الاقتصادي، وظهر هذا في سوق العمل لنجد العمالة الأجنبية باتت هي المسيطر، مما رفع من نسب البطالة ومستوى الجريمة وتدهور الاقتصاد والنسيج الاجتماعي، والحديث عن ضبط الوجود الأجنبي في السودان خطوة يمكن أن نسميها اعترافاً بالسياسات الخاطئة أو تصحيح أوضاع ولكن بعد فوات الأوان.
{ السودان واتفاقات اللاجئين
السودان موقع على عدة اتفاقيات دولية بشأن اللاجئين وحمايتهم وتوفير المساعدة لهم كاتفاقية حقوق الإنسان بجنيف واتفاقية مع منظمة الهجرة الدولية «IOM»، وهنالك قانون اللجوء لعام 1974، الذي جاء في فقرته السابعة «إن المواثيق الدولية في حالة الممارسة الإدارية للسلطة تعطي الاتفاقية الأولوية عند تطبيق القانون». وكذلك هناك قوانين إقليمية مثل قانون اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969 والذي تحدث عن وضع تنظيم عمليات التوزيع للاجئين. وكذلك لا ننسى توقيع السودان على اتفاقية الجريمة المنظمة ومنها محاربة الاتجار بالبشر حيث انتشرت هذه الظاهرة مع توافد اللاجئين واستغلال العصابات لهم في تهريبهم، بل الاتجار بهم وبيعهم كخدم أو عاملين لاجئين في الدول الأوروبية.
وبرأي الخبير “عوض أبو زيد” فإن اللجوء والهجرة غير الشرعية باتا يؤرقان دول الاتحاد الأوروبي الذي يفتح صفحة جديدة مع السودان في مشاريع التنمية والمساعدات والعودة التطوعية وبناء السلام.. كل هذا يحتاج إلى كوادر متمرسة في التفاوض والحنكة والحصافة، وإقناع المانحين في جلب الدعم، وتنفيذ برامج العودة الطوعية وبند الانقطاع، وتطبيق مفهوم (TSI)، وضبط دخول اللاجئين حتى لا تتسع تدفقات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، والحد من ظاهرة عمليات تهريب والاتجار بالبشر وفق أسس علمية وبحثية راسخة منضوية تحت القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وعدم تحوّل مسرح تدفقات اللاجئين والمهاجرين لدول أخرى.. كل هذا يصب في تضافر جهود المجتمع الدولي لوقف الحروب والمساهمة في نشر وبناء السلام والتنمية.
{ قضية متجددة
موقع السودان في وسط القارة الأكثر توتراً بين القارات العالمية وهويته المصبوغة بالعربية التي تعاني بلدانها هي الأخرى من أزمات وحروبات متصلة لا تنقطع، فرض عليه أن يكون قبلة أولى لكثير من جنسيات البلدان التي تجد فيه أمناً وطعاماً رغم ضعف الرواتب والأجور فيه، لكن الترحاب والبشاشة وعدم التضييق على اللاجئ عنصرياً أو دينياً ساعد في أن يكون بالسودان الآن مئات الآلاف من اللاجئين من مختلف الجنسيات والثقافات، الذين سيكونون بمثابة قنابل موقوتة ما لم يتم التعامل معهم بضبط وحزم، مع الأخذ في الاعتبار حالاتهم الإنسانية التي دفعت بهم إلينا.. ويبقى التعامل مع هذا الملف الشائك والمتجدد قضية لن يحلها التساهل أو التجاهل.