المبعوث الأممي يضع الملف (الليبي) الساخن على طاولة الخرطوم
في زيارة تعدّ الأولى من نوعها والتقى “غندور” و”عدوي”
الخرطوم – ميعاد مبارك
“ليبيا” ذلك البلد الذي انفرط عقد مؤسساته الحكومية، وتشتت قبائله بين النعرات منذ الثورة على الرئيس الليبي السابق “معمر القذافي” في فبراير من العام 2011، ليعاني بعدها المواطن الليبي من صراعات عرقية ودينية وسياسية لا حصر لها، وشد وجذب بين حكومتين الأولى في طرابلس والثانية في طبرق، فضلاً عن وقوفه في مفترق طرق مصالح دول عظمى لا تلتقي مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
زيارة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليبيا “مارتن كوبلر” في هذا التوقيت، والتي تعد الأولى من نوعها للخرطوم، وأجرى خلالها، أمس الأول، عدداً من اللقاءات أبرزها مع وزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور” ورئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول ركن مهندس “عماد عدوي”، تطرح عدداً من التساؤلات حول إمكانية لعب السودان دوراً أكبر في حلحلة الراهن المتأزم في ليبيا.. ومدى تأثير اختراق الحركات المسلحة الدارفورية للحدود السودانية الليبية، وتمددها في مدينة “طبرق” ومحيطها، الأمر الذي لم يغض مضجع الداخل الليبي أو الحكومة السودانية فقط، بل تمدد القلق حولها للجوار الأفريقي والمحيط العالمي مثيراً حفيظة الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص “كوبلر”.
المبعوث الأممي قال في تصريحات صحفية، أعقبت لقاءه بوزير الخارجية، إن المباحثات ناقشت العلاقة بين حكومة السودان وحكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي الليبي، بالإضافة إلى مناقشة الأمن الحدودي بين السودان وليبيا، وبشكل خاص المثلث الحدودي بين السودان وليبيا وتشاد. وأوضح “كوبلر” أن التنفيذ الحاسم للاتفاق السياسي الليبي هو الحل من أجل وحدة ليبيا، مشيراً إلى أن هناك تناغماً واتفاقاً في الرؤى بين الحكومة السودانية وآراء المجتمع الدولي بما فيه الأمم المتحدة، بأن حل الأزمة الليبية يكمن في الوحدة بين الأطياف الليبية ووجود حكومة مؤسسات قوية وموحدة في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن حل المشكلات الحدودية بما فيها مشكلة الجماعات السودانية المسلحة.
{ ثغرات حدودية
أقرت الحكومة بوجود ثغرات كثيرة في الحدود السودانية الليبية، الأمر الذي يمنح الحركات المسلحة مساحة للتحرك والتسلل بين البلدين. وحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير “قريب الله الخضر”، أشار “غندور” في اجتماعه بالمبعوث إلى وجود ثغرات كثيرة في بعض الأجزاء التي تربط بين ليبيا والسودان وتشاد ويمكن أن تنفذ من خلالها حركات التمرد، مؤكداً على أنه لا ينبغي أن تكون هناك حركات مضادة لحكومات في دول أخرى.
وقدم وزير الخارجية لـ”كوبلر” خلال اللقاء ما سماه تجربة السودان في حماية الحدود مع تشاد ومع أفريقيا الوسطى، التي تمتد لأكثر من (260) كيلومتراً، لكنه عاد وأقر بوجود ثغرات حدودية مع ليبيا.
{ خطة أممية
ويبدو أن تمدد الحركات المسلحة في دارفور وداخل الحدود الليبية وتورطها في الصراع الملتهب في مدينة “طبرق” ومحيطها، لم يكن مثار قلق للداخل الليبي أو حكومة السودان فقط حيث قاسمتهم الأمم المتحدة المخاوف ذاتها. وعبر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة “كوبلر” في تصريحات صحفية، أمس، عقب لقائه “غندور” عن رفضه لوجود حركات التمرد الدارفورية المسلحة في ليبيا، مشيراً إلى وضوح القانون الدولي فيما يتعلق بوجود الحركات السودانية المتمردة المخالف في ليبيا، وأكد “المبعوث الأممي” اهتمامه بمعالجة الأمر ووجود خطة أممية في هذا الصدد- لم يفصح عن تفاصيلها- لاستعادة الأمن وسلطة الدولة في ليبيا، وإنهاء الانقسام، وتكوين جيش له تسلسل واضح القيادة يسيطر على جميع أنحاء البلاد، وأن تكون من مسؤولية هذا الجيش عدم السماح بوجود الحركات التي تهدد بلاداً أخرى، وأن هذا ينطبق على الجماعات الإرهابية والجماعات السودانية المسلحة في دارفور.
{ الخرطوم ترفض تسليح جهات ليبية للحركات
من جانبه، أبدى وزير الخارجية خلال لقائه المبعوث رفض الحكومة لتعاون وتسليح أية جهة ليبية للحركات المسلحة، مشيراً إلى أن بعضها يحظى بالإيواء من قبل بعض الأطراف الليبية.
{ دور السودان
هل يحمل المبعوث الأممي في حقيبته خطة يلعب من خلالها السودان دوراً أكبر في حلحلة الأزمة الليبية؟! (المجهر) وجهت هذا السؤال للمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير “قريب الله الخضر”، فأكد أن السودان لن يلعب دوراً منفصلاً عن دوره ضمن مبادرات الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ودول جوار ليبيا، وأضاف المتحدث الرسمي قائلاً: (السودان سيكون المحطة الأولى لجولة المبعوث الأممي لعدد من دول الجوار الأفريقي).
ويحضر “غندور” لأول مرة اجتماع لجنة دول جوار ليبيا المنعقدة بالجزائر في الثامن من الشهر الجاري، التي ستناقش مستجدات الوضع الليبي في الجزائر ومدى تقدم المبادرة التي قدمتها دول الجوار لحل الأزمة الليبية.
{ نقاط مهمة
وقال “الخضر” إن المبعوث أشار إلى نقطتين مهمتين خلال لقائه بــ”غندور”، الأولى حول رؤية السودان حول الأوضاع في ليبيا المتمثلة في حرص الخرطوم على وحدة ليبيا ووجود حكومة ومؤسسات دولة قوية تستطيع أن تسيطر على مجمل الدولة الليبية، بالإضافة إلى عدم السماح لأي أطراف داخل ليبيا بتقديم دعم أو خلق صلات مع حركات التمرد الدارفورية الموجودة الآن في بعض أجزاء ليبيا، التي تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي السوداني وتمثل هاجساً مشروعاً للحكومة.
{ تطمين دول الجوار
وقال المتحدث الرسمي إن رؤية المبعوث اتفقت مع رؤية السودان التي قدمها لمجلس الأمن الدولي. وأشاد “كوبلر” بوعي الخرطوم بأن الهدف الأساسي الذي يجب أن يعمل عليه الجميع هو التأكيد على وحدة الأراضي الليبية والتأكيد على قيام سلطة تمثل ليبيا ككل، التي تستطيع بدورها أن تتحمل مسؤولية تطمين الدول المجاورة لليبيا خاصة من النواحي الأمنية.
{ تهريب البشر وتصدير الإرهاب
وتحدث المبعوث خلال اللقاء حول عمليات تهريب البشر من الحدود التي تحد ليبيا من الجهتين الشرقية والغربية، ووجود دول من بينها مصر لديها مخاوف من أن يتم تصدير الإرهاب إليها من ليبيا.
{ التزام الخرطوم بإحلال السلام في ليبيا
عقب لقائه بوزير الخارجية، التقى “كوبلر” رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول ركن مهندس “عماد عدوي”. وناقش اللقاء الشواغل المشتركة حول السلم والأمن الأفريقي، وتأمين الحدود في ظل الراهن الليبي للحد من تجارة السلاح والمخدرات، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب ومحاربة الحركات المتمردة السودانية الموغلة في الأراضي الليبية، وأكد “عدوي” التزام السودان بإحلال السلام في ليبيا.
من جانبه، شدد المبعوث الأممي على أهمية الدور المحوري للسودان في جمع الفرقاء الليبيين وإحلال السلام والاستقرار هناك، وعول المسؤول الأممي على الثقل السوداني في القارة السمراء ودول جوار ليبيا.