الأنبياء يشدد عليهم في البلاء .. وفاة النبي عليه الصلاة والسلام
محاضرة الشيخ الراحل “محمد سيد حاج
أعدها للنشر – خالد الفاضل
{ لحظات مرض النبي “صلى الله عليه وسلم”
مرضه وشدته عليه الصلاة والسلام مضاعفة، وأن الأنبياء يشدد عليهم في البلاء، وأنهم ليفرحون بالبلاء كفرحكم بالرخاء.. شيء عجيب.. دخل “عبد الرحمن بن أبي بكر” وفي يده مسواك وهو ينظر إليه ولا يتكلم.. قالت “عائشة” فعلمت أنه يريده فأشرت، قلت: تريد السواك.. قالت: فأشار برأسه أن نعم، فأخذته من “عبد الرحمن” ولينته بريقها ثم وضعته للنبي “صلى الله عليه وسلم” فاستاك به قليلاً، ثم قالت: سمعته يتمتم بكلمات فإذا بها رضي الله تعالى عنها والحديث في البخاري تصنت لهذه الكلمات والعبارات فكان آخر ما قال: (مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الأعلى.. يقولها ثلاثاً).
{ وفاته “صلى الله عليه وسلم”
قالت: فمالت يده وأنا جارية صغيرة، لا أعرف. قالت فأسلمت رأسه إلى الوسادة .وجعلت أضع يدي في رأسي أندبها. وقد توفي النبي “صلى الله عليه وسلم”.. لقد ارتاح جسد ما ارتاح سنين طويلة ولقد فاضت إلى بارئها روح لكم كانت نقية وذكية ولقد توقف عن النبض قلب كبير حمل هموم الناس.. لقد توقف قلب كان ينبض للناس بالخير حتى أعدائه.. لقد عاش حياة متعبة مثقلة بالمعاناة والهموم والمسؤوليات، عاش حياة عجيبة وقد وضع المسافر ترحاله وقد توقف السير بعد (63) سنة عاشها كلها للناس “صلى الله وسلم وبارك وانعم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. كانت “عائشة” رضي الله عنها والحديث في البخاري لا أكره شدة الموت لأحد بعد الذي رأيته في النبي “صلى الله عليه وسلم”.. مهما قيل لها إن فلاناً قد تعب عند الموت أو قد تضايق قالت لا أكره هذا له أبداً.
{ موقف الصحابة
موقف الصحابة واضح جداً كما تعرفون.. حمل “عمر” سيفه وهو يقول من قال إن محمداً قد مات ضربت عنقه.. إنما واعد ربه كما واعد موسى ربه.. وليرجعن ليقطعن أيدي وأرجل وألسنة منافقين.. وذلك من هول الصدمة.. الصحابة يعلمون أن النبي “صلى الله عليه وسلم” يموت.. لكنهم ما كانوا يظنون أنه سيموت في هذه الأيام.. كان في نفسهم بقية، في أوسط أيام التشريق من حجة الوداع نزل قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، وكان هذا نعياً واضحاً للنبي عليه الصلاة والسلام ونزلت في عرفة آيات المائدة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).. المهم قال “أنس بن مالك” يصور هذه الأحزان العميقة في نفوس أصحابه: (سيفقدونه.. سيفقدون الأب الحاني والمربي الجليل والمعلم الفاضل والقائد الفذ.. سيفقدون السياسي المحنك.. سيفقدون البطل المقدام.. سيفقدون صاحب الأخلاق العلية والمكارم الإنسانية.. سيفقدونه.. كان إذا جاعوا أدخل يده في الطعام فتكثر.. وإذا عطشوا فجر الماء من خلال أصابعه فشربوا.. كان عليه الصلاة والسلام أباً لهم..).
{ خطبة “أبي بكر”
كان “أبو بكر” بالسنح فلما سمع وجاء لم يتكلم مع أحد .دخل فوجده مسجى موطأ خرجت الروح. وسكن الجسم فكشفه وقبله وقال: (طبت حياً وميتاً يا رسول الله)، ثم غطاه وجعل يقف ليتكلم و”عمر” واقف فسكّت “عمر”.. قال لـ”عمر” اسكت.. فأبى أن يسكت.. فترك الناس “عمر”. وجاءوا لـ”أبي بكر” يريدون كلمة.. يريدون أن يعرفوا ما الذي حصل.. هول المصيبة أفزعهم.. فحمد الله وأثنى عليه في رباط جأش عجيب وفي جلد عظيم.. قال: (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.. وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل.. أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم.. ومن ينقلب على عقبيه، فلن يضر الله شيئاً.. وسيجزي الله الشاكرين).. قال أبو هريرة: (فوقع السيف من يد عمر)، يقول “عمر”: (لقد عقرت) أو عقرت أي رجلاه لا تحملناه حتى كان “عمر” يقول: (ما تحملني رجلاي.. ما تحملني رجلاي)، والله وجود رجل رابط الجأش قوي العزيمة بين الناس مهم.
{ قبر “صلى الله عليه وسلم” ليلة الأربعاء
غسل النبي عليه الصلاة والسلام في يوم (الثلاثاء).. تولى تغسيله “صلى الله عليه وسلم” “العباس” و”علي” و”قثم بن العباس” و”الفضل بن العباس” و”شقران” مولاه وهو فارسي في أصح الأقوال من الفرس.. “شقران الفارسي”.. وكان معهم أنصاري واحد هو “أوس بن خولي”، تولوا غسل النبي “صلى الله عليه وسلم”.. غسلوه وعليه ثيابه.. ما جرد النبي “صلى الله عليه وسلم” (كبوا عليه الموية من فوق وبي هدومو يغسلوه عليه الصلاة والسلام).. ثم كفنوه في ثلاثة أثواب بيض من كرفس.. من قطن.. ليس فيها قميص أو عمامة.. أدرج فيها “صلى الله عليه وسلم” إدراجاً.. كفنوه “صلى الله عليه وسلم” في هذه الأثواب الثلاثة يوم (الثلاثاء) وبدأ المسلمون بالصلاة عليه حفروا له القبر في الحجرة.. لأنه قال: (الأنبياء يقبرون حيث قبضوا)، فحفروا الحفرة ووضعوا السرير على حافة القبر ودخل الناس أرتالاً أرتالاً.. قبر “صلى الله عليه وسلم” في ليلة (الأربعاء).. أي في مساء (الثلاثاء).. لأنه توفي يوم (الاثنين).. غسل في مساء يوم (الثلاثاء)، ودفن مساء (الثلاثاء) ليلة (الأربعاء).. أهالوا عليه التراب حتى قالت “فاطمة”: (وا أبتاه.. إلى جبريل ننعاه.. وا أبتاه أجاب رباً دعاه.. وا أبتاه إلى جنة الفردوس مأواه.. وقالت أهانت على نفوسكم أن تهيلوا على رسول الله “صلى الله عليه وسلم” التراب)، ولكن لا نملك إلا أن نقول: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).