بعد ومسافة
حتى وإن فتحت الحكومة المسارات..(!)
مصطفى أبو العزائم
علامة التعجب في الإعلان أعلاه مقصودة.. فحكومتنا الرشيدة – غفر الله لها – أعلنت على لسان المفوض العام للعون الإنساني “أحمد محمد آدم” عن موافقتها على فتح مسار إضافي لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى دولة جنوب السودان عبر مدينة الأبيض، إلى أويل.. لتغطية المناطق المتأثرة بالمجاعة في غرب وشمال بحر الغزال، وهؤلاء المتأثرون المتضررون من حكم “سلفاكير” وجماعته يتجاوز عددهم الثلاثمائة ألف مواطن ومواطنة يواجه الأطفال والنساء وكبار السن منهم مخاطر نقص الغذاء، بل وانعدامه.. وهو ما نعجب له ويعجب له غالبية شعبنا الأبي.
حكومتنا السنية تتلقى الضربات تلو الضربات من حكومة “جوبا” التي تبذل كل جهدها في سبيل جرجرة الخرطوم إلى مواجهات عسكرية مباشرة أو عن طريق وكلائها في الحركة الشعبية قطاع الشمال، لإفشال مشروع رفع العقوبات الأمريكية عن السودان من خلال واحد من الجنود أو الشروط الستة الواجب تنفيذها خلال الستة أشهر التي تنتهي في يونيو المقبل.
وعلى طريقة التفكير بمحكمة نجد أن ما ينطبق على فعل حكومة السودان هو تجسيد كامل للمثل القائل.. خيراً تعمل.. شراً تلقى.. فالذي قدمته “الخرطوم” للدولة الشقيقة الوليدة لم تقدمه لها أية دولة من دول الجوار، ولا أية دولة من الدول التي حرضت قيادات الحركة الشعبية على دعم الاتجاه الانفصالي لدى الغالبية الشعبية المغلوب على أمرها، التي ظلت تعاني الأمرين (الجوع والمرض) في ظل تسلط عقليات لا ترى في شعب جنوب السودان إلا أداة تقودها إلى تحقيق مراميها وأهدافها في خدمة الغير من أصحاب المصالح الذين يريدون أرض دولة الجنوب خالية من البشر بافتعال الحروب، وإزكاء نيران المواجهات وهم يعلمون أن المتضررين سيتجهون شمالاً حيث لا تضييق ولا ابتزاز ولا استغلال.
“جوبا” لا زالت تدعم قطاع الشمال، وزادت عليه بدعم الحركات المسلحة وإيواء كثيرين من منسوبيها، وأصبحت منصة ينطلق منها كل عمل عدائي ضد “الخرطوم” وحكومة السودان (الطيبة) لا زالت تتعامل بحسن نية، مفترض في رئيس دولة جنوب السودان الفريق “سلفاكير ميارديت” الذي لا يحسن الظن بأي من الجالسين على مقاعد السلطة في القصر (الرئاسي بالخرطوم)، وبأي صاحب رؤية وطنية مخالفة لرؤيته الاستبدادية الغارقة في ذاتية غير مبررة، أوشكت أن تعصف بالدولة الوليدة.
أذكر تماماً قبل إجراء الاستفتاء على بقاء جنوب السودان أو انفصاله عن الوطن الأم، أذكر أنني وزميلي الأستاذ “سيف الدين البشير” الملحق الإعلامي بإحدى سفاراتنا بالخارج، وكان وقتها رئيساً لتحرير صحيفة (سودان فيشن) التقينا خلال انعقاد أحد مؤتمرات الإيقاد الخاصة بالحالة السودانية في العاصمة الكينية “نيروبي”، بالنائب الأول لرئيس جمهورية السودان – وقتها – الفريق “سلفاكير ميارديت” والذي يشغل في ذات الوقت منصب رئيس حكومة جنوب السودان، ويمثل وفد الحركة الشعبية أمام رئيس وفد الحكومة وقتها السيد نائب رئيس الجمهورية الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، التقينا به أمام باب المصعد وتحدثنا إليه وسألته عن دوافعه لحث أبناء جنوب السودان على التصويت للانفصال، فقال بكل وضوح وصراحة (الشريعة) نقلت له أن الحكم الديمقراطي هو الذي يحدد شكل التشريعات التي تحكم البلاد.. فقال لي بلهجة من لا يريد المراجعة (يا زول نحنا عارفين لو جبتوا الحزب الشيوعي ذاتوا وحكم “محمد إبراهيم نقد” رئيس حيطبق الشريعة).
بهت زميلي الأستاذ “سيف الدين البشير” وهو يستمع إلى ردي على النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة جنوب السودان وقتها وقد كان (الحمد لله إنكم عارفين) وسار كل منا في اتجاه، صعد هو على (الأسانسير) وخرجنا نستنشق هواءً نقياً.