أخبار

السلاح القاتل

السلاح الأكثر فاعلية الذي استخدمه “عبد الواحد محمد نور” في دارفور في مواجهة الحكومة هو سلاح معسكرات النازحين التي تعدّ سكيناً تم غرزها في أحشاء النظام.. وبخطاب عاطفي مشحون بنبرة الكراهية، وتجييش العواطف وإثارة القضايا ذات البعد القبلي المحلي وضع “عبد الواحد محمد نور” سكان معسكرات النازحين تحت قبضته.. فرض سياجاً من العزلة على النازحين ونثر عبر إعلامه الأماني ودغدغ مشاعر الملايين من البسطاء.
كان “عبد الواحد” من خلال خطبة مسجلة تبث في المساجد بعد صلاة الجمعة بلغة الفور يهزم كل إعلام الحكومة الغارق في دنيا بعيدة عن النازحين ومشاغلهم.. ولسنوات طويلة ظلت معسكرات النازحين عصية على حكومات دارفور المتعاقبة لا يدخلها إلا من يرضى عنه جنرالات المعسكرات الذين كانوا الأقرب للتمرد.. حتى غشيت دارفور المتغيرات الجديدة.. وفقد “عبد الواحد” على الأرض وجوده العسكري المحدود في رقعة جبل مرة الجغرافية.. وأصبحت دول الجوار التي كان التمرد الدارفوري يتخذها محطة انطلاق لعمليات في الداخل، إما صديقة للخرطوم كشأن تشاد وإريتريا وإثيوبيا ويوغندا وأفريقيا الوسطى، وإما مشغولة بنفسها مثل جنوب السودان وليبيا.. أما مصر فقد ظلت تأوي المعارضة السودانية لكنها لم تتورط في تقديم الدعم العسكري المباشر لها، لحسابات تعرفها القاهرة.
ولما جاءت التغييرات في أجهزة الحكم الولائية الأخيرة أصبح المهندس “آدم الفكي” يتجول في معسكر “عطاش” و”كلمة” بنيالا.. ويتمرد بعض سكان المعسكرات على “عبد الواحد محمد نور” ويعلنون انضمامهم جهراً للمؤتمر الوطني كما حدث بنيالا الأسبوعين الماضيين.. بيد أن الحدث الأهم شهدته محلية “قريضة” بجنوب دارفور، وهي من المحليات التي استهدفها التمرد ومجموعة “مني أركو مناوي” بصفة خاصة لأنها المنطقة التي خرج من رحمها القائد الثاني لحركة “مناوي” د.”الريح محمود”.. والرجل الثاني في تنظيم د.”التجاني سيسي” ونعني بذلك المفوض وأقرب متمردي دارفور السابقين لـ”جون قرنق” والحركة الشعبية “هاشم حماد”.
في “قريضة” تم تخطيط (12) ألف قطعة سكنية وتسليمها للنازحين الذين كانوا يقطنون معسكراً بائساً تشرف عليه الأمم المتحدة.. ولكن حكومة جنوب دارفور استطاعت بإمكانيات محدودة جداً تخطيط الأراضي وتسليمها للنازحين، وبذلك تم فض ذلك المعسكر دون ضوضاء.. وفي ذات الأسبوع الماضي عادت (2100) أسرة من معسكر “عطاش” إلى منطقة “عطاش” التي نزحوا منها في السنوات الماضية.. وغادر النازحون حياة البؤس والشقاء والعنت، والقهر والحرمان إلى مناطقهم التي نزحوا منها قبل سنوات بسبب الحرب.. وعودة النازحين وفض المعسكرات هي الخطوة المفقودة في المعالجات الحكومية لأزمة دارفور.. لكن هل لدى الحكومة المركزية خطة.. وقدرة ورغبة في الصرف مالياً على مشروع تفكيك المعسكرات من خلال العودة الطوعية أو تخطيط المعسكرات كما حدث في محلية “قريضة” الأسبوع الماضي؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية