شهادتي لله

لن نقطع (شمالنا ) بغباء .. مثلما قطعنا (جنوبنا) برعونة !!

 ولا يستحي زعيم المنبر الانفصالي المخرب أن يكرر على رؤوس الأشهاد بعد كل الذي لحق بالوطن منذ العام 2011 م .. شماله وجنوبه، من كوارث وأزمات سياسية واقتصادية وفقر و انهيار للجنيه من ثلاثة جنيهات مقابل (الدولار) إلى (19) جنيهاً، ومن حروب مستمرة في الشمال والجنوب، أن يكرر صرخاته الرعناء وهتافاته الهوجاء: (والله إننا اليوم في منبر السلام العادل أكثر فخراً بموقفنا حول فصل الجنوب، فقد تبيَّن الآن لكل ذي بصر وبصيرة صحة رأينا، بل إن من ساندوا الانفصال من الأمريكان والأوربيين يشعرون اليوم بخطأ عظيم اقترفوه في حق الجنوب وليس في حق الشمال…) !!.
وحسناً أنك تكتب سطراً وتنسخه بالذي يليه، وهكذا تكون أفكار المرتبكين والمضطربين، مبعثرة ومتناقضة، ينسف بعضها بعضاً!!.
فإذا كان سادتك الأمريكان والأوربيون – أصحاب مخطط الانفصال – قد أقروا اليوم بخطئهم الفادح وجريرتهم السوداء بفصلهم جنوب السودان عن شماله، فكيف لك وأنت تابع (مخموم) في تنفيذ حلقة من حلقات سيناريو المخابرات الأمريكية وجهاز (الموساد) الإسرائيلي في تقسيم السودان إلى دولتين، أن تستمر في المزايدة، مصراً على الخطأ، مكابراً و مستبداً، تأخذك العزة بالإثم بعد أن أفقرت شعب السودان العزيز في الشمال، وبددت ثرواته النفطية والنباتية والمائية و الغابية.. والبشرية، ومزقت أوصاله، و قطعت أطرافه، و مزعت خريطته وطمست جغرافيته، ودست على تاريخه، ثم  ها أنت .. في هوجائك وغيك سادر.. (نحن والله أكثر فخراً بموقفنا من فصل الجنوب) !!.
إن الذين فصلوا أو ساهموا في فصل جنوب السودان عن شماله، واقتطعوا من مساحة وطننا القارة أكثر من (600 ألف) كيلو متر مربع، ما يعادل (ربع) أرض السودان و (ربع) شعبه و(ثلاثة أرباع) ثروته النفطية بما يساوي (350) ألف برميل بترول (يومياً)، لا يحق له أن يحدثنا عن “حلايب ”              و”شلاتين”، فالوطن عند الوطنيين .. لا يقبل التقسيم مهما كانت الأسباب والمبررات، والمبادئ لا تتجزأ، والذي تنازل عن (600) ألف كيلو متر مربع غنية بالماء.. والنفط .. والغابات و القوة العاملة .. والرجال الشجعان الذين كانوا يمثلون صلب القوات المسلحة السودانية، لا يمكن أن تعني له (20) ألف كيلومتر مربع صحراء جرداء.. شيئاً عزيزاً، غير أنها أجندات دول أخرى لئيمة، ينفذها بغباء جوقة المتوترين والأغبياء!!.
إن “حلايب” السودانية .. لن يعيدها إلى حضن الوطن الدافئ الذين تخلوا بيسر وهوان  ومذلة عن “واو” السودانية التي ظلت تهفو كل يوم إلى “المجلد” و”بابنوسة” منذ أن انقطع عنها خط السكة حديد.. بناء ” الإنجليز ” الذي خربناه نحن بأيدي الرعناء، لن يعيد “حلايب” إلى حضن الوطن الذين أنكروا سودانية “ملكال” المشتاقة إلى “كوستي”، وسودانية  “جوبا” العزيزة التي لن تغادر وجداننا .. وأغنياتنا من زمن الشامخ    “النور الجيلاني” إلى زمن الشاب الساحر “طه سليمان”: (داير روحك تفرحها .. تنسى همومك وتروحها .. ودع قوم .. خلي الخرطوم .. سافر جوبا.. يا مسافر جوبا… موكب زهور في مهرجان عيد الصبا..)!!.
ولكن هل يفهم المنفصمون .. المنقطعون عن شعبهم  هذا النحيب.. وذاك الحزن النازف الغريب الذي لف بلادنا، فوجمت يوم (الانفصال).. وصمتت حد الصدمة.. وبكت حد النزيف، من يوم أن فارقت ثقافتنا عبارتنا الخالدة: (مليون ميل مربع .. من “حلفا” إلى “نمولي”)!!.
اسألوا يا طيور الشؤم والظلام أي طالب في أي جامعة في بلادنا.. بل اسألوا أساتذتهم :(كم تبلغ مساحة جمهورية السودان الآن؟!!) لن تجدوا إجابة ..غير الإجابة القديمة (مليون ميل مربع).. لأن (السيستم) ، رغم مرور (6) سنوات على الجريمة، لم يعدل المعلومة بعد في أذهاننا.. ووجداننا .. و كراساتنا .. وذاكراتنا البشرية.. وهو ما يصفه علماء النفس بمرض(الإنكار)، الرفض اللا شعوري للاعتراف بالواقع أو الموقف المسبب للألم، وتحدث هذه الحالة لحماية الشخص من الصدمة العاطفية والحزن الشديد . 
وبعد حزننا الذي لم يندمل جرحه بعد على (جنوبنا) الحبيب، يريد هؤلاء الغائبون أو المغيبون عن الوعي أن يغلقوا علينا (شمالنا) العزيز!!.
وينهض العقلاء من أبناء شعبي ضدهم بتلقائية محببة، وهم يصرخون في أذني كل يوم ويزحمون بريدي بالرسائل: (يا أستاذ.. أردع المخربين.. ديل فرتقوا البلد وقسَّموها وعاوزين كمان يولعوها مع مصر زي ما ولعوها مع الجنوب) !! (يا أستاذ .. هم بقدروا يخلوا مصر .. كضابين .. ينبذوا فيها و عاوزين يتعالجوا ويتفسحوا فيها.. ماشين ليه؟!) .
إن علاقتنا مع “مصر” أكبر من استفزازات (الفيس) وردحي الإعلام الصهيوني في “مصر” .. المتآمر على بلده قبل أن يكون متآمراً على السودان الشامخ الكبير . فمتى كان (الفيس) يصنع سياساتنا الداخلية وعلاقاتنا الخارجية؟! لو كان كذلك، لنجحت دعوات (العصيان المدني) الأول.. وما احتاجوا للثاني، ولسقطت (الإنقاذ ) قبل سنوات!!.
لقد تعلم الملايين من أبناء السودان في مدارس “مصر” ،       وجامعاتها من “الأزهر الشريف” إلى “الزقازيق” و “عين شمس” والقاهرة (الأم) والقاهرة (الفرع) التي تخرَّج في كلية حقوقها كبار قضاتنا وأشهر محامينا ومستشارينا، وتلقى كبار ضباطنا وقادتنا الحاليين دوراتهم الحربية في أكاديمية “ناصر” العسكرية العليا،  مثلما تعلم مهندسو وفنيو الاتصالات في (معهد اللاسلكي) في مصر منذ خمسينيات القرن الماضي، مثلما تعلم جدي – والد أمي – الشيخ المغفور له “أحمد محمد علي” في الأزهر الشريف في أربعينيات القرن الماضي، و صار عضواً في (هيئة كبار علماء السودان) عام 1950 م ، قبل (67) عاماً ، وما زالت صورته عالقة بذهني وهو يصافح الرئيس اللواء “محمد نجيب” في زيارة هيئة علماء السودان لمصر عام 1952م .. علماؤنا كانوا يقابلون الرئيس المصري اعتياداً، قبل أن يخرب علاقاتنا المخربون .. فأين كان الاستعلاء في تاريخنا؟!.
  كلنا تثقفنا وتأدبنا من كتب “مصر” وصحفها.. و مجلاتها.. من أين أتت مكتباتنا على مر التاريخ .. ابتداءً من “ميكي”      و”سمير” والمغامرون الخمسة والشياطين الـ(13) .. وإلى عبقريات “العقاد”.. وفلسفة “زكي نجيب محمود”؟! هل جاءتنا كتب.. وصحف.. ومجلات من “السنغال”.. أم من “موريتانيا” .. هل تعلمنا في “الخليج” أم في “الجزائر” رغم حبنا لبلد المليون شهيد .. من أين جاء “العقاد” و”طه حسين” و           “شوقي”  و “هيكل ” و “أنيس منصور” و “مصطفى محمود” ؟!  من ” الصومال ” يا ترى ..  أم من “جزر القمر” ؟!.
إنها “مصر” التي لها دين على كتف كل مثقف .. ومتعلم سوداني.
رغم هذا وذاك.. تبقى “حلايب” سودانية .. لن نتخلى عن قضيتها في مجلس الأمن .. أو في المنابر والمحاكم الدولية .. و هذا لا يعني أن نقطع (شمالنا) بغباء .. مثلما قطعنا (جنوبنا) برعونة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية