(5) سنين
(خمس سنين) على صدور العدد الأول من هذه الصحيفة، واليوم يبدأ العام السادس، وهي سنوات ميلاد لصحيفة قادمة.. حيث يمتد عمر الصحافة لمئات السنين إلا في بلادنا، حيث تعصف التغييرات السياسية بالصحف مثلما تعصف بكل شيء.. و(المجهر السياسي) التي احتضنت أطيافاً من مدارس تحرير متعددة.. وأجيال صحافية مختلفة المشارب والمرجعيات، لكنهم جميعاً صحافيون التزموا بأخلاقيات المهنة وأعراف المجتمع.. وسلوكيات السودانيين.. وكان ميلاد (المجهر) في ظروف بالغة التعقيد سياسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً.. وطن فقد ثلث أرضه.. واقتصاد من حالة الوفرة إلى الشح.. وحرب اشتعلت في الأطراف وصراع سياسي بين القوى التي تحلم بإسقاط النظام والقوى الممسكة بزمام السلطة.. والصحافة كانت محاصرة من السلطة والرقابة القبلية تقطف كل زهرة يانعة وفكرة لا تروق للرقيب الذي يتصرف في المكتوب بما يميله عليه ضميره وفق تقديرات شخصية.. فأصبحت الصحافة بلا طعم ولا رائحة.. واستراحت الحكومة من النقد وتصويب الأخطاء حتى لو كان نقداً موجهاً لقصور عمال النفايات في محلية هبيلا.. فإن الرقابة كان تحرص على نظافة ثيابهم من النقد.. ولكن مع رفع الرقابة القبلية أخذت الصحافة تزدهر وتنمو وتقول شيئاً مما في مخيلة الكُتاب والصحافيين، ولكن الصحافة الحرة في بلادي ظلت ترزح تحت وطأة الحصار الحكومي. أما حصارً مباشر يقطع أرزاق الصحيفة من الإعلان الحكومي وحتى الإعلان الخاص.. أو بالمسارات التي تغرق الصحافة في الديون والخسائر المادية.. أو التربص بالصحافيين بتوقيفهم عن الكتابة لفترات تطول أوتقصر.. لكسر سنان الأقلام وترهيبها وتخويفها والنيل منها.. وسجنها من غير حراسة سجان.. في هذه الظروف أبحرت سفينة (المجهر) رغم المصاعب والرهق والحصار الحكومي.. ودعاية المعارضة التي تريد أن تصبح الصحافة أداة طيعة ويدها التي تبطش بها ولسانها الذي تتحدث به وسيفها الذي تحارب به النظام لإسقاطه كما وعدت الشعب وأخلفت وعدها.. والمعارضة تريد من الصحافة أن تصبح مطية سهلة لتعبر بها من الفشل إلى النجاح.. ولكن (المجهر) اختارت أن تقف مع الشعب في قضاياه اليومية.. وأن لا تفتح صحافتها للمعارضة لتمارس عليها عاداتها القديمة.. ووقفت (المجهر) مع التغيير والحوار والديمقراطية وحقوق الإنسان ومع القوات المسلحة في معارك تحرير المدن.. وناهضت التمرد في دارفور والمنطقتين، ليس لشيء سوى قناعتها بأن السلاح ليس أداة شريفة للتغيير وصناعة التاريخ وتقويم أعوجاج النظام.. وبشرت (المجهر) بالانتخابات وفتحت ملف خلافة “البشير” حينما كان الحديث عن الخلافة من الموبقات التي ترمي بالصحافة في المهالك، ولكنها بإيمانها العميق بأن التغيير سنة الله في الكون فتحت (المجهر) أبواب الحديث عن المسكوت عنه.. ولأنها صحيفة وطنية لا تساوم في شرفها ولا تبيع مواقفها دفعت ثمن ذلك.. وحصدت ثمار مواقفها أن وضعها القارئ في جدول اهتماماته، وفي العام المنصرم احتلت المرتبة الثالثة، وهي مرتبة لا تشرِّف فريق (المجهر)، ولكن المناخ له تأثيره على التوزيع والانتشار، والناشر يدفع بصحيفته إلى المطبعة ويده على قلبه، هل سيصادر المطبوع أم يصل لعيون القراء؟ في هذا المناخ يصبح التنافس ليس شريفاً.. وفي العام الجديد نقول لقراء (المجهر): شكراً على قبول ما تكتبه الصحيفة.. ولإدارة التحرير من الأستاذ “الهندي” و”صلاح حبيب” و”طلال” و”رزق”.. و”رقية” وصناع الصحيفة الحقيقيين، في أجهزة الإخراج والتصميم والتدقيق اللغوي.. شكراً ، فأنتم صناع النجاح والفرح.