رأي

بعد ومسافة

شبح الكارثة يطل على الجزيرة
مصطفى أبو العزائم
نغرق أحياناً في بحر من الصور البراقة التي تنقلها لنا أجهزة الإعلام التابعة لسطوة الرجل الواحد، أو لسلطة الجماعة التي لا تقبل غير إبراز تلك الصور التي كثيراً من تكون مجرد لافتات غير حقيقية لواقع مزيف، وهو ما تعاني منه بعض مناطق ولاية الجزيرة التي يحاول واليها وبعض منسوبي حكومته إبراز إيجابيات الحكم، بعيداً عن إبراز السلبيات، أو منعاً لعكس أي تقصير حكومي في أداء الواجبات.
لم يعد كثير من الناس خارج ولاية الجزيرة يرون من واقع الولاية الحالي سوى مئات الآلاف من الانترلوك في شوارع حاضرة الجزيرة مدينة “ود مدني”، وبعض المنشآت الخدمية في عدد من محليات الولاية التي يتم افتتاحها من حين إلى حين، لكن دائماً هناك صورة قاتمة وغائبة عن المشهد العام المتاح للجميع، صورة قد لا يكون للسيد الوالي أو حكومته يد مباشرة فيهاـ، لكن لا يعني عدم مسؤوليتهم عن قناعة الصورة، وبؤس الواقع لآلاف الأسر في قرى الجزيرة.
ظللت أتلقى على الدوام عشرات الرسائل والصور عبر كل حساباتي الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي عن معاناة أهلنا هناك، وكنا ندفع بها إلى الجهات المختصة في الصحيفة للمتابعة أو النشرـ، دون تعليق عليها، باعتبار أن قضايا مجتمعنا تكاد تكون متشابهة، لكن ما وصل إلىّ قبل أيام كان خطيراً إلى الحد الذي جعلني أراجع الكثيرين للاستيثاق والتأكد من صحة ما وصلني، ويفيد بأن أهلنا في محلية “القرشي” بولاية الجزيرة يعانون معاناة مرة وقاسية من عدم توفر مياه الشرب لهم ولأنعامهم،  بعد انقطاع المياه عن الترع بغرض الصيانة، رغم أن مشروع الجزيرة كان يتحوط لذلك بالعمل بنظام الترع الصيفية التي لا تنقطع المياه عنها أبداً.
صحيح أن المسؤولية المباشرة ليست مسؤولية والي الولاية الدكتور “محمد طاهر أيلا”، ولا مسؤولية حكومته المباشرة، وإنما مسؤولية وزارة الموارد المائية والري والكهرباء وهي التي قامت الآن بقطع المياه تماماً وبصورة كاملة عن الترع، مما سبب أزمة حادة في المياه تنذر بمخاطر عظيمة جراء انقطاع المياه، حيث أصبح عدد كبير من أهالي القرى في الجزيرة، خاصة في محلية القرشي يلجأون إلى الشرب هم ومواشيهم وحيواناتهم من برك المياه الراكدة، داخل مجاري ومسارات الترع التي توشك أن تجف، وتتعرض لتلوث ينذر بكارثة صحية محتملة، غير مخاطر العطش التي تهدد حياة الناس.
وصلتني أعداد من الصور المؤثرة التي تحكي معاناة الناس، وقد طالب مرسلوها بتدخل أجهزة الإعلام كافة لنقل حجم المأساة القادمة التي تواجه أكثر من نصف مليون مواطن، هم قوام محلية القرشي التي تضم خمسة أقسام زراعية تتوزع داخلها (278) قرية صغيرة تمثل مساحتها أكثر من ربع مساحة مشروع الجزيرة.. وهناك قرى لا تتوفر لها مصادر لمياه الشرب، فيضطر أهلها للشرب مباشرة من الترع، وهو ما يفاقم من معاناة أهل الجزيرة شبه الدائمة من خلال التدهور المستمر في الأوضاع الصحية العامة، وعدم انحسار نسب الإصابة بأمراض أصبحت شبه مستوطنة مثل البلهارسيا وغيرها، مضافاً إليها في مثل هذه الظروف الاسهالات المائية المميتة، والمتوقعة في ظل هذا الواقع البائس.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية