الاحتقان السياسي
{تعاني الأوضاع الداخلية في مصر من حالة احتقان سياسي وأزمات اقتصادية وليست أزمة واحدة.. ومنذ أن وصل الفريق “السيسي” إلى السلطة وأزاح الإخوان من السلطة وعد المواطنين بحياة رغدة.. واستقرار سياسي ورفاه اجتماعي.. ونمو اقتصادي وعودة مصر الثمانينيات والسبعينيات كدولة مفتاحية في المنطقة العربية والأفريقية. وأثقل “السيسي” على نفسه بالوعود التي لا مكان لها في أرض الواقع ونفح العلمانيين في أشرعة الحكم لتصفية خصومهم من الإسلاميين..
{وقد أفلحت حكومة الجنرال “السيسي” في إقصاء الإسلاميين من السلطة ورميهم في السجون وطردهم خارج الحدود.. ولكن مشكلات مصر ليست في الإسلاميين وحدهم ولا هي في التوجهات الحضارية فحسب.. مصر دولة لها احتياجات كبيرة جداً من جهة توفير لقمة العيش سواء بالتسول غربياً أو عربياً من أجل إطعام شعب فرضت عليه الطبيعة القاسية العيش على ضفاف النيل.. وقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية في مصر منذ السنوات الأخيرة لحكم “حسني مبارك” بضرب الإرهاب لسوق السياحة.. وضمور المساعدات التي كانت تقدمها الولايات المتحدة لمصر حيث يعيش الفلاح المصري على قمح البراري الكندية.. وفقدت “القاهرة” دورها العربي بانتقال مركز ثقل إدارة ملف القضية الفلسطينية إلى “الرياض” و”الدوحة”. {وتبعاً لذلك اضمحل الدور المصري في القارة السمراء.. بتقسيم الولايات المتحدة القارة لأربع مناطق وجعلت نيجيريا هي منطقة الضغط العالي لغرب أفريقيا.. و”جوهانسبرج”، هي مقر إدارة ملف جنوب القارة.. وإثيوبيا هي اللاعب الرئيسي في شرق “القاهرة”.. ورواندا الخارجة من مأزق الحرب الأهلية هي الوكيل الحصري لخدمات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في وسط “القاهرة”.
{إزاء هذه الأوضاع وجدت حكومة الجنرال “السيسي” نفسها (مخنوقة) اقتصادياً وسياسياً وبدأ التململ الداخلي من فشل السياسات الاقتصادية وتدهور سعر الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي.. ومن أجل البحث عن توحيد الجبهة الداخلية كان العامل الخارجي هو المعبر والقنطرة التي تؤدي لذلك.. وجدت مصر في قضية سد النهضة ذريعة استخدمها الإعلام المصري منذ أيام الرئيس المخلوع د.”محمد مرسي” وحتى اليوم.. ولكن إثيوبيا استطاعت بحنكة وخبرة تسويق رؤيتها الوطنية.. وفشلت الخطة المصرية باستغلال سد النهضة لسد الفجوة الشعبية والجماهيرية التي تعاني منها الحكومة المصرية.. ولم يجد الإعلام المصري وبعض المسؤولين غير (إحياء) النزاع حول مثلث “حلايب” الذي ظل مجمداً على حاله الراهنة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.. ومن حرب البرتقال والموالح المصرية إلى الأسماك والبسكويت ثم أخيراً تفجيرات “حلايب” التي تستهدف تعبئة الداخل المصري وتصوير الأوضاع هناك بأنها على شفا الحرب لشغل الحكومة السودانية شمالاً.. وبالتنسيق مع “جوبا” حليفة “القاهرة”.. وأدواتها من قطاع الشمال لإحداث اختراق على الحدود الجنوبية وفي المنطقة، لذلك التصعيد المصري في “حلايب” مخطط مصري الغرض منه تنفيس الاحتقان الداخلي من جهة ومساعدة حلفاء “القاهرة” بتشتيت قدرات الخرطوم وشغلها بمثلث “حلايب”، ولكن الهدف بعيد في المنطقتين لبث الروح في جسد الحركة الشعبية الميت فهل مصر تملك القدرة على إحياء الموتى.