ما بعد الاستقالة (3)
عندما وصل الجنرال “خميس جلاب” بجلبابه الأفريقي الذهبي والقبعة التي تشبه قبعة الرئيس النيجيري الأسبق “إبراهيم بابنجيدا” إلى مقر المفاوضات في فندق (رديسون بلو) اضطرب وفد الحركة الشعبية المفاوض.. وأخذ الجنرال “جقود مكوار” يتحدث بلهجة غاضبة جداً.. وتجاهل د.”أحمد عبد الرحمن سعيد” أقرب القيادات لـ”ياسر عرمان” رد التحية لرفقاء درب فرقت بينهم المواقف.. ولكن “الطيب حسن بدوي” كان مزهواً بانتصاره السياسي.. و”الطيب” من دعاة تقسيم الحركة الشعبية وطرد الشماليين من جسدها.. والتفاوض مع أبناء النوبة فقط حتى يسهل الوصول معهم لاتفاق وكمواقف تكتيكية حشد “ياسر عرمان” اليساريين من كل فج وصوب جاء حتى بالشعراء “فضيلي جماع” و”كمال الجزولي” وبالروائي “عبد العزيز بركة ساكن” و”نعمات آدم جماع” من كوستي” لإضفاء القومية على مظهر الحركة الشعبية والادعاء بأنها تمثل المجتمع العريض إلا أن “الطيب حسن بدوي” جاء بـ”جلاب” و”آدم جمال” من أستراليا و”محمد أبو عنجة أبو رأس” من الولايات المتحدة.. لخوض معركة مقدسة تحت شعار:( من أحق بتمثيل النوبة).. وتحت رعاية الدولة ودعمها وظلالها كان مهرجان الشعوب الأصيلة في ميدان البحيرة بأمبدة يعزز مواقف القوميين النوبة.. وهؤلاء الأقرب للحكومة مرحلياً لأنهم جميعاً يلتقون عند الموقف المناوئ لعراب السودان الجديد.. “جون قرنق” ومن بعده “ياسر عرمان”.. ولكنهم يختلفون منهجاً وفكرة.. القوميون النوبة يبحثون عن تحالفات مع المؤتمر الوطني تقودهم في المستقبل لذات مصير القوميين الجنوبيين الذين هرعوا للمؤتمر الوطني بعد رحيل “جون قرنق” يبحثون عن قواسم ظرفية ولم يتدبر المؤتمر الوطني في مآلات التحالف مع القوميين الجنوبيين وإلى أين تقوده تلك الخطوة، ولكنه بغضاً في اليسار وأولاد “قرنق” والشماليين داخل الحركة الشعبية اختار السير مكباً على وجهه وعزز من دور القوميين الجنوبيين في السلطة بقيادة “سلفا كير ميارديت” و”بونا ملوال” و”بيور الأسود”.. و”كول ميانق” و”بيتر نيوت” ونبذ قصياً مجموعة “باقان”.. و”دينق ألور”.. واستفاد القوميون الجنوبيون من السلطة وحرضوا المواطنين على خيار الانفصال وشجعوا المؤتمر الوطني على الفوز بمنصب الرئيس وسحب “ياسر عرمان” من السباق مقابل إخلاء الشمال للجنوب الذي يستقر بعد ذلك وتآكل من أطرافه لأن عصبة القوميين الجنوبيين انحدرت لعصبة الدينكا والعشيرة.. وسالت الدماء في أرض الجنوب حتى ارتوت الغابات.. وما يزال الجنوبيون يدفعون ثمن صعود القوميين العنصريين على سدة الحكم بعد الانفصال، فهل مواقف “عبد العزيز الحلو” التي أعلنها في خطابه أمام (مجلس التحرير) أي برلمان الحركة الشعبية تمثل أوبة وعودة إلى القوميين النوبة كموقف نهائي؟؟ أم هي ضرورات ظرفية يبحث فيها الرجل عن دعم وسند سياسي ومعنوي من أجل خوض معركة مع فرقاء آخرين من النيل الأزرق.. ومن وسط السودان.. وهل الاصطفاف العرقي والإثني الذي يقوده “عبد العزيز الحلو” الآن من مصلحة السلام؟؟ أم لصالح دعاة الحرب؟؟ ومنذ سنوات طويلة ثم طرح سؤال تختلف حوله التقديرات”: هل الأفضل للسودان وجود حركة شعبية بأفق قومي وقيادات من كل البلاد حتى لو رفعت شعارات ماركسية عقائدية؟؟ أم حركة عنصرية منكفئة على منطقة محددة.. تخاطب قبيلة واحدة من جملة مئات القبائل السودانية؟؟