أخبار

بعين ثالثة

من يراقب انعقاد جلسات المؤتمرات التنشيطية للمؤتمر الوطني من المستوى القاعدي (الأساس) وحتى مؤتمرات المحليات، ثم الولايات قبل انعقاد المؤتمر العام التنشيطي، فإنه يقف في عدة محطات، ويتأمل في عدد من المشاهد في سياق ترتيبات الحزب الحاكم لمواجهة استحقاقات الحوار الوطني التي اقتضت تنازله عن (50%) من المقاعد في الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، ولا يزال المناخ العام وتطورات السياسة في السودان ترهص بدخول أحزاب وحركات مسلحة جديدة حلبة السلطة مما يفرض على الوطني تقديم مزيد من التنازلات، ليفقد (60%) من السلطة التي كان مستأثراً بها وحده في سنوات ما قبل الانفتاح السياسي والتوافق مع المنافسين أو الخصوم إن شئت استخدام لفظ أكثر حدة.
الملاحظة المهمة في أداء الحزب الحاكم في الوقت الراهن هي تماسك صفوف الوطني ونجاح قيادة الحزب في الاحتفاظ بالتقاطعات المصلحية والتطلعات الذاتية في مستوى الخلاف الذي لا يرقى لدرجة الانقسام والتصدع كما هو حال الحزب قبل سنوات، حيث توالت الانشطارات بعد الرابع من رمضان، لتنشق بعد ذلك مجموعة “مكي بلايل” و”أمين بناني”، ثم مجموعة (الألف أخ) و(السائحون).. ثم انشقاق حركة الإصلاحيين بقيادة “غازي صلاح الدين”.. وقضت التعديلات والتجديد بصعود المهندس “إبراهيم محمود حامد” إلى منصب الرجل الثاني في الحزب خلفاً لبروفيسور “غندور”، ومن قبله د.”نافع علي نافع”، فنجح مهندس التقانة الزراعية في لملمة أطراف الحزب والاحتفاظ بتوازن القوى بين مكونات الوطني من الإسلاميين والمايويين السابقين، والمنشقين من أحزابهم والتكنوقراط.. وزعماء العشائر وقوى المجتمع المدني الحديث.
مظهر ومشهد مؤتمرات الولايات أن هناك إقبالاً كثيفاً عليها رغم ضعف المحفزات الذاتية للعضوية، حيث تعدّ المؤتمرات التنشيطية بمثابة لقاء للحشد السياسي دون أن تترتب عليها إجراءات تنظيمية بتصعيد للعضوية أو ترشيح للمواقع التنفيذية والتشريعية في الحزب والدولة.. وأمس الأول من خلال مؤتمر عام ولاية جنوب كردفان التي صوت فيها نحو (50%) من الناخبين في الانتخابات التكميلية التي جرت 2011م للحركة الشعبية، وكاد مرشحها لمنصب الوالي الجنرال “عبد العزيز” قلب الطاولة على مرشح الوطني “أحمد هارون”، حدثت تغييرات كبيرة وسط مواطني تلك الولاية، بانعطافهم نحو المؤتمر الوطني ومساندته لمواقفه من الحرب وتصديه بشجاعة للمسؤولية وثبات قادة الحزب في ظروف بالغة الصعوبة، مما جعل المواطنين من غير الموالين للوطني ينظرون إليه بعين التقدير على الأقل لثباته.. وكان مؤتمر كادقلي وحماس الأعضاء من الرجال والنساء بمثابة رسالة لقيادة المؤتمر الوطني بأن الحزب بخير.. وقد جدد المؤتمرون ثقتهم في رئيس المؤتمر الوطني د.”عيسى آدم أبكر”، وهي ذات الثقة التي وجدها مولانا “أحمد هارون” من المؤتمرين أمس بالأبيض، الذين قال شاعرهم: فليبقَ “هارون” من أجل استكمال مشروعات النفير.
 أما الملاحظات التي يرصدها المراقب لانعقاد هذه المؤتمرات، فتتمثل في التغيير الجوهري في الخطاب السياسي للحزب، وقالها المهندس “إبراهيم محمود حامد” في أكثر من موقع إن تولي المناصب العامة في الدولة يستند إلى الكفاءة وحدها.. وبذلك نعى المهندس “إبراهيم” علناً عهد التمكين وإعلاء شأن الولاء، وفي ذلك استجابة لدواعي العصر ومنطق الواقع.. وضرورات المرحلة.. وإقامة دولة العدل وبسط القانون.. بل إن قيادياً مثل “حسب الله صالح” رئيس دائرة ولايات كردفان والنيل الأبيض يقول معارضاً للشعارات الدموية التي كان قادة الحزب وقواعده يرددونها في كل حين: نحن لا نريد إراقة دماء منهم ولا نريد إراقة دمائنا نحن، بل نسعى للسلام والمودة.. ونغني للحب والجمال والبناء والتعمير والنهضة.. وتلك أدبيات جديدة لحزب قديم.
– نواصل-

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية