بصراحة جداً
كان “صدام حسين” حينما يخرج لفلوات العراق والقرى البعيدة عن الحضر يرتدي “الدشداشة” العربية ويبدل لغته الآمرة التي تصل في كثير من الأحيان الفظاظة إلى لغة مهادنة وعاطفية، يتحدث عن التمر والبعير وينأى بنفسه عن لغة العنتريات والتحديات، في محاولة منه لاستمالة قلوب المواطنين وكسب ودهم والتزلف إليهم طمعاً في نيل رضاهم.
والعقيد “معمر القذافي” كان يتشبه بالبدو الليبيين في ملبسه ومسكنه وتقف خيمته الشهيرة شاهد إثبات على ذلك، مع أنه يعيش في الواقع حياة مترفة مثله وأباطرة التاريخ من القياصرة والملوك الإقطاعيين، وحتى ابنه “الساعدي” سجلته ليبيا ليلعب محترفاً في أشهر النوادي الإيطالية كمحترف لكنه “كيشة” في كرة القدم ويدفع لنادي (أودنيذي) مليارات الدولارات سنوياً بدلاً عن أن يدفع له النادي مثل اللاعبين الحقيقيين لا المزيفين.
وفي السودان اشتهر الراحل “الزبير محمد صالح” بحسن اختيار التعبيرات الشعبية الموغلة في المحلية والقريبة من نفوس الناس مما قرب الإنقاذ للشعب وقرب الشعب منها.
ومما يتميز به نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن” عن بقية القيادات خاصة الدارفورية ليس النشاط الدؤوب والحركة والعطاء الدافق لأن تلك هي سمة الشباب جميعاً، ولا مواجهة المشكلات وحلها.. لكن “حسبو” يتميز عن “علي الحاج” ود. “الحاج آدم يوسف” وبقية القيادات من “علي محمود” و”مسار” و”كبر” و”التجاني سيسي” بالتعبير عن مواقفه دون تزلف أو رياء، والشجاعة في تصويب المواقف وتوجيه النقد الشديد للإدارة الأهلية، وحتى المواطنين، والقبائل التي ترتكب كثيراً من الأخطاء والجميع يتقرب إليها طمعاً في نيل رضاها وخوفاً من غضبها، وقبائل دارفور التي أشقت نفسها بالصراعات، ليس هناك من يستطيع أن يقول لها أخطأت إلا “حسبو محمد عبد الرحمن” الذي بقدر عطائه المبذول في تنمية دارفور وتطويرها فإنه يتحدث لأهله بصراحة شديدة.
في لقاء الأسبوع الماضي بحاضرة غرب دارفور الحنينة، وهي أكثر مناطق دارفور معاناة من الصراع القبلي والانقسام المجتمعي ولا تزال تدفع ثمن ذلك، وقد بدأت من خلال مشروع التعافي المجتمعي غسل الدموع بطرف الثياب، كان “حسبو” أكثر قيادات دارفور انفعالاً بذلك المشروع الذي يمثل طوق النجاة للمنطقة، وتحدث في لقاء مغلق لقيادات المساليت والعرب والأرنقا والقمر والمراريت، ووجه النقد أولاً للقبائل العربية التي ينتمي إليها بلهجة رجل الدولة الحريص على مستقبل البلاد، كذلك انتقد المساليت بشدة، لكن المهم طبعاً أن يبدأ الإنسان بتصويب نفسه قبل الآخرين، لتجد كلمات “حسبو” التقدير من كل صاحب ضمير وإحساس بالمسؤولية، ويثبت الرجل جدارته بالمنصب الرفيع الذي يتسنمه,, واستقرار دارفور اليوم وانقشاع سحابة الحرب وجفاف الدموع هي ثمرة لسياسات كلية وجهود مخلصة من الجيش والدعم السريع وحرس الحدود والأمن والشرطة والولايات، ولمواقف الأخ “حسبو” الداعمة لاستقرار الإقليم الذي أطلق عليه في يوم ما اسم “إقليم العذاب”.
وحينما يمتلك المسؤول شجاعة الجهر بالرأي والتعبير عن مواقفه بالوضوح والصراحة، فإن مثل هذا المسؤول جدير بالاحترام والتقدير، بل يثبت أنه رجل دولة جدير بالاحترام، لكن حينما يمارس سياسة التقرب للمواطنين بالسكوت عن الشهادة فإن ذلك بمثابة خيانة للمهام الملقاة على عاتق رجل الدولة، وقد أثبتت تجربة السنوات الماضية أن شجاعة “حسبو” وثقته في نفسه قد جعلت أداءه مكان تقدير الرئيس وقيادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وقبل ذلك المواطنين.