الصحافة في السودان.. تصنيفات رديئة!!
{ حدثني مدير عام مؤسسة (حكومية) مهمة أنهم تلقوا قبل فترة خطابات (رسمية)، مع خطاب معزز من رئاسة الجمهورية، تحدد لهم كمؤسسات ووزارات نوعين من الصحف بشأن سياسة الإعلان فيها، قائمة لصحف مرضي عنها سياسياً وليس بالضرورة أن تكون متقدمة في التوزيع، يسمح بالإعلان فيها بكل رحابة وأريحية، وقائمة للمغضوب عليها يمنع عنها الإعلان، والأخيرة محدودة جداً، بينما لم ترد أسماء صحف أخرى في القائمتين، قائمة المسكوت عنها، و(المجهر السياسي) ضمنها!!
{ قلت للمسؤول: يا سيدي الفاضل.. أشكرك وأحييك.. غير أن هذه التصنيفات لا تمت لا للوطن.. ولا للوطني.. ولا الحياد والنزاهة بصلة، فهي خليط من اجتهادات موظفين في الدولة يتقاطع عندهم (الذاتي) والخاص بالعام ويغلب عليهم ضعف النظر، بل إنني أجزم وأؤكد مع أن (المجهر) حصلت على الموقع (الثاني) بين الصحف الأوائل في أكثر من تقييم أصدره مجلس الصحافة والمطبوعات خلال السنوات الماضية، فحتى هذا التقييم الذي تصدره لجنة التحقق من الانتشار، غير دقيق ولا أمين، وقد ذكرت رأيي هذا هنا أكثر من مرة، والسبب بسيط أن معظم الصحف خاصة الكبرى، توزع وحدها، ولا تقوم شركة قومية محايدة بعملية التوزيع كما كان يحدث في سبعينيات وثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، بخلاف صحف قليلة جداً ما زالت توزع لدى شركات متخصصة، و(الفي يدو القلم ما بكتب نفسو شقي)، ومجلس الصحافة يزعم أن لديه مصادر متعددة للتحقق من الانتشار، ولكن المصدر (الأساسي) أمامه مع طفيف تعديلات، هو وحدات التوزيع التابعة لذات الصحف!!
{ المهم.. فإن ذلك التصنيف الحكومي الرديء الذي سكت عن ( المجهر)، بقامتها المهنية والوطنية السامقة، غير المدعومة من حكومة ولا معارضة، لا يمثل سوى غبائن ومواقف كاتبيه، ولنا عودة لهذا الملف إن شاء الله.
{ وإنني لأنصح السادة الوزراء والولاة الجدد والقدامى القادمين لحكومة الوفاق الوطني، بأن يبدأوا أعمالهم في مفتتح مرحلة وطنية جديدة يفترض أنها أكثر شمولاً وعدالة، بتمزيق أوراق هذا التصنيف البئيس، وأن تبحث شركات القطاع الخاص عن آليات أخرى للتقييم غير آليات الحكومة، كأن يرسلوا وحدات استطلاع من موظفي العلاقات العامة إلى المكتبات مباشرة، دون وسيط وبعيداً عن وكالات الإعلان المرتبطة أيضاً بعمليات تزوير تبعاً للصحيفة التي تمنحها (عمولة) أكبر، فليسألوا المكتبات في أكثر من موقع: ما هي الصحف الأكثر توزيعاً عندكم؟ وليسأل أي وكيل أو مدير عام صاحب المكتبة المجاورة لبيته، إن ترك لكم (المعتمدون) أعداء الثقافة والتنوير.. مكتبة جواركم لتسألوها، فنحن نرضى بتقييم أصحاب المكتبات وحتى (السريحة) في الشوارع، فهؤلاء أصدق من الناقمين والمتنطعين.
{ أما تصنيف الولاء للوطن.. لا لأفراد وجهات، فأظن أن أي قائد سياسي، وزيراً أو معتمداً أو خلافه، أو حتى مواطن عادي متوسط التعليم، قادر على تقييم الصحف وتحديد هويات ومنح درجات لكتابها بنفسه من خلال المطالعة، وفق مستوى ثقافته وفكره وانتمائه السياسي، بغض النظر عن الخلافات حول التفاصيل والمواقف المتحركة.
{ أما تقييمي الشخصي، فإنني أعدّ كل الصحف الصادرة في الخرطوم الآن صحف وطنية، ليس هناك صحيفة حكومة مائة بالمائة من خلال ما ينشر، ولا صحيفة (معارضة)، ولا بيننا رئيس تحرير (مناضل) والآخرون (سدنة)، كلهم يرتبطون بصورة أو بأخرى مع السلطة، بما في ذلك كثير من السياسيين المعارضين بالداخل والخارج، والناشطين في الأسافير، إما علناً أو عبر سياسة (الأنفاق السرية)!!
{ ومن عجائب هذه التقاطعات والتخالطات، أن وزيراً شهيراً ومثيراً للجدل أوقف صحيفة يملكها قبل أشهر قلائل عن الصدور وذلك تضامناً مع كاتب مصنف (يساري) و(مناضل)، حيث رفض الوزير إيقافه عن الكتابة، فتوقفت الصحيفة، وانتقل الكاتب إلى صحيفة (شبه حكومية)!! دا اسمو شنو؟؟!!
{ إذن.. الحكاية في بلادنا كلها متداخلة، مثل دمائنا المختلطة عربية وزنجية.. نوبية.. حبشية وتركية!!
{ نعم.. تختلف رؤانا للمشهد السياسي وللعلاقات الخارجية، وفق تقديراتنا الخاصة.. الوطنية والمهنية، كل حسب درجة فطنته، ولكن ليس هناك أحد أو جهة تملك حق (التصحيح) لكراساتنا.
{ على أي حال.. نحن نعرف ونوقن تماماً أننا أكثر وطنية من هؤلاء المصححين.