الحاسة السادسة
عقلية الذئاب!!
رشان أوشي
بينما يعم الصمت في المركبة (هايس)، القادمة من قلب الخرطوم، إلى نواحي الثورات، في التاسعة مساءً، أطلقت إحداهن صرخة مكتومة أعقبتها بعبارات الوعيد والإنذار، لشاب ثلاثيني يشاركها المقعد في الصفوف الخلفية، التفت الجميع صوب المشادة، كانت اليافعة العشرينية وقد تجهم وجهها تكيل عبارات الوعيد، انبرى أحدهم من ذوي العقول التي توقفت في العصور الوسطى، من ذات النوع الذي يضاجع بائعات الهوى ويبصق عليهن بعد قضاء وطره، التفت مخاطباً الفتاة ضحية التحرش بأن تخفض صوتها وتصمت، وعندها قامت الدنيا ولم تقعد، إذ انبرت النساء في المركبة وأشبعن ذكوريته سباباً.
بالطبع لم تكن تلك هي الحادثة الأولى، ولن تكون الأخيرة ما دام النظام الاجتماعي السوداني يطالب الفتاة بالصمت على انتهاك إنسانيتها وعرضها، ويعضد من سلوك المتحرش الذي يحمل في مخيلته غرفة نوم أينما مضى، معتقداً بأن النساء خلقن لقضاء حاجات الرجال المريضة.
بذات القدر لن تتوقف حوادث التحرش الجنسي ما لم تسن قوانين تردع المتحرشين، وتحفظ كرامة النساء، التحرّش الجنسي لا يعتبر غلطة الشخص المتحرّش به أو المعتدى عليه أبداً، فالتحرّش بأحدهم هو اختيار يتخذه المتحرّش بغض النظر عن ملابس الشخص المعتدى عليه أو تصرفاته، والتي لا يمكن أبداً أن تستخدم كعذرٍ لتبرير التحرّش وهكذا، فالأمر بسيط: الشخص الذي يتعرّض للتحرّش أو الاعتداء ليس مسؤولاً بالمرة عن أي نوع من أنواع التحرّش الجنسي الذي يتعرّض له، لا بشكل جزئي ولا كلي.