(المجهر) تفطر مع السكرتير العام للحزب الشيوعي وتحاوره في (زيارة خاصة)
ابتكرنا فكرة زيارة خاصة لبيوت السياسيين لكي نضيف للقارئ الكريم الأبعاد الأخرى من شخصياتهم الرسمية، فوراء الكلمات المرسومة عفوية مليئة بالحقائق، وصورة الآباء بالعراقي والسروال الطويل بعيداً عن الكارفتة وبقية التكتيك.. مع الأسرة والأنجال، الديوان، والسفرة، وحديقة البيت، والخدم، والأحفاد.. حتى ديكور البيت والغرف وصور الحائط وسرد الحكايات غير المروية ولكل سياسي (ألف ليلة وليلة).. زملاء الإسلاميين من الشيوعيين، وعلاقات الشيوعيين بالإخوان.. أولاد الدفعة، والفريق والحارة..
“الخطيب” هو من لبى النداء، وقبل مقترح (المجهر) بالزيارة الخاصة والفطور معه بعد أن اعتذرت (بت) الأزهري – قبل الاعتذار الرسمي عن تراجعهم عن الإفطار السنوي تضامناً مع الظروف الاقتصادية – بحجة عدم تأكيد اليوم وأنها (فاطرة) مع أمها حفية ومسافرة في اليوم البعده دون أن تترك لنا مساحة لتجديد الطلب.. وفشلنا أيضاً مع الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد الذي رحب بالفكرة وطلب عدد الضيوف، ولكن لظروف صحته وصوته المنخفض تعذرت العزومة لهذه الأسباب، أما الوزيرة سعاد عبد الرازق فقالت (عندي نية عمرة).. ودستة من الاتحاديين أرسلوا لـ (المجهر) زهوراً بيضاء بقصد الاعتذار، بالإضافة لقيادات بارزة في المؤتمر الوطني أعذارهم متفرقة بين التراويح والتهجد والسفر.
كان ” محمد مختار الخطيب” تعويضاً أتاح لـ (المجهر) إبراز الفكرة في نسختها الأولى والأصلية، وجرت الاتصالات على ما يرام وكان اللامع أن الخطيب خطف الفكرة بخلفية المبادئ الاشتراكية والريف والأهلية المطلة من سنوات عمره.. عمل في الحقول مفتشاً ومزارعاً ورحب بها.. كنا ندق على بابه بحمولة الاتهام تنظيماً وفكرة ومنهجاً، وكان يرد كالآباء مبرراً وموضحاً كالمعلم يضع النقط علي الحروف، ومع ذلك كانت الأهداف في شباكه بغير إعلان لطبيعة الضيف ورمضان، وكذا مزاجنا نحن مع الأمين العام للحزب الشيوعي.. كان سودانياً بدون تأمين.. الشيوعيين يحرقون المحاضر ويبنون السياج فوق السياج ويخفون السيد نقد أعواماً وأعواماً، ولكنهم تركوا لنا الخطيب ننظر للغته وفهمه للأمور.. وتفرسنا في الوجه الممتزج بالخبرة والضحكة، بعضها من بعض بقايا من برجوازية الستينيات والسبعينيات بإيقاع الحلفاويين..
وجدنا منزل الأمين العام للحزب الشيوعي يشبه بيوت عامة السودانيين؛ سريرين في الحوش الصغير وكرسي جلوس (دبل) وحمام منفصل ومكان لصلاة الجماعة؛ والأرض مفروشة بسراميك غير جديد لكنه نظيف.. وكان طلاء الداخل باللون البيجي والستاير حمراء كذوق نسائي (فقط). كانت مائدة رمضان معدة بعناية واحترام.. كانت الحفيدة تلعب أمامنا ومن الخلف ست البيت.. والعيال لم يصدروا أي صوت طوال زمن الزيارة واحتفظوا بلباقة بيت محافظ حتى النهاية وجييء بالشاي والقهوة حتى صرنا أصدقاء.
وعند العاشرة مساء كان الخطيب وردة حمراء بكل ألوان الطيف.. كان واضحاً وصريحاً وقبل ذلك مخلصاً لحزبه والأفكار العريضة والشعب السوداني، وبالطبع لم ينته الخريف وثمة نجوم لامعة في قبة السماء.. وكانت ضاحية الحاج يوسف تستعد لتناول العشاء الرمضاني ومنعتنا البشاشة والتجرد والإخلاص من إخطار العم شالكا بالتقاط صورة للأمين العام للحزب الشيوعي وهو يصلي معنا المغرب.. لكي لا يسأل (أحدهم) سؤالاً وينخفض حاجب الدهشة أو يعلو من آخرين توقفوا على الاطلاع على الفكر الشيوعي عند محطة الإلحاد.. وقصدنا أن نفتح الشريان بنقل صورة منسية في منزل شيوعي كما ينبغي.. فلنذهب لتفاصيل الزيارة الخاصة:
{ تناولنا الإفطار معكم وكنا بالفعل في بيت سوداني ؟
– شكراً لكم ومرحباً بكم دائماً هذه داركم يا أولادي.
{ نريد تحديد مزاجك لأننا بصدد حوار لفهم الجانب الآخر؟
– أنا طبيعي وعادي وسهل وأمورنا عال العال.
{ تقول عال العال بعد ثلاث شهور من توليك منصب الأمين العام للحزب الشيوعي (ماذا فعلت)؟
– نجهز بشكل أساسي لقيام المؤتمر العام السادس.
{ أنت بالأساس (زول مزارع) دراسة وأكل عيش (مش كدا)؟
– نحن أول من تخرج من معهد شمبات الزراعي، ومشينا أسسنا مشروع حلفا الزراعي.
{ بالله عليك انظر المشهد وقل لا حول لاقوة إلا بالله؟
– منظر يشق الأكباد، كلما ذهبت لهناك أشعر بخيبة الأمل اجتهدنا وقبضنا الريح.
{ تهجير الأهالي عملية قاسية على النفس البشرية؟
– واحد من أهل حلفا كتب لي خطاباً بهذه البداية (من حلفا إلى (…….) استغفر الله العظيم) ويقصد خشم القربة.
{ نريد الدخول لحوش الحزب الشيوعي هل أنت مؤمن بالشفافية؟
– ما في شك نحن دعاة الديمقراطية وهذه مبادئ لا نحيد عنها.
{ لماذا أحرقتم محضر الاجتماع الذي فزت فيه؟
– أنا لا علم لي به وسمعت به .
{ من الذي رشحك من داخل اللجنة المركزية؟
– (يتردد طويلا ويقول): لا أعلم من رشحني لمنصب الأمين العام للحزب باللجنة المركزية.
{ هل أنت مفرغ؟
– أنا مفرغ وأتقاضى مرتباً.
{ هل المرتب مجزٍ مع هذه الغلاء؟
– الحال مستور وهناك تقدير.
{ بكل صراحة المسافة بينك ونقد تبدو كبيرة و واسعة؟
– أنا أحترم هذا الرجل وله نضاله وكفاحه وتراكم التاريخ يؤسس لمثل هذه القامات، والحزب من صنع نقد والخطيب، وليس العكس.
{ أنت رجل مجهول ظهر في منصب رفيع المستوى بالحزب الشيوعي؟
– كنت موجوداً بقواعد الحزب وأنا جزء من أي تتطور كما الآخرين.
{ أنت أبو بنات كما علمنا؟
– لي أربع بنات واحدة بالولايات المتحدة الأمريكية وابني مختار وحيد.
{ ما هي انتماءاتهم السياسية؟
– هم أحرار في ما يعتقدون ولا أتدخل أبداً لصياغة شخصياتهم.
{ هل بينهم شيوعيون؟
– نعم يوجد بينهم شيوعيون.
{ وأم الأولاد حمراء أيضاً أم ربة منزل عادية؟
– أم الاولاد معلمة ولها تعاطف مع الشيوعيين.
{ لو عدنا لأيامكم كانت محاربة الخفاض شيئاً صعباً جداً؟
– أنا لم أجرم في حق بناتي، وذات مرة سمعت ضجة عند جارنا وعرفت أن غداً ختان بناته، فشاورت زوجتي لنصاح الجار، وقابلته ووجدته متفقاً معي ولكنه أشار إلى أن الست والدته وضعت له خطة بإعطاء (الطهارة) قروش إضافية على أن لا تفعل أي شيء بصغيراته، وبالفعل كانت إحدى البنات تضحك فعرفت نجاح الخطة.
{ (معليش) هل هن محجبات أم يلبسن (القناعة) السودانية؟
– أنا لا أؤمن بوجود حجاب أو زي إسلامي هذه عادات وتقاليد عربية قديمة.
{ نسالك بصفتك أباً هذه المرة؟
– أسلحهن بالوعي واحترام الآخر والثقة بالنفس.
{ (عفوا) كيف كنت تنظر للجنة المركزية للشيوعي وأنت عضو عادي ويمكن عضو مغمور؟
– اللجنة المركزية لا تنفصل عن هموم القواعد وأي اقتراح من أصغر عضو يجد وضعه من التزام المركزية.
{ هناك بعض الآراء لتغيير اسم الحزب ليجد قبولاً أرحب؟
– هذه الرؤية انهزمت لانها لم تقصد الاسم بل وطريقة التفكير والنضال.
{ بصراحة كيف ينظر أهل الحي لمن يصلي معهم وهو شيوعي؟
– الأمور تغيرت وفات زمن من يفهم أن الشيوعية هي الإلحاد.
{ لو أديت صلاة الظهر جماعة وقام واعظ كم تعطي الواعظ من الزمن لتستمع له؟
– دقيقتين.
{ دقيقتين ما شوية على الواعظ؟
– لكي أفهمه، وذات مرة جاء الكاروري في بلدنا فوعظ في السياسة وخرجت وسمعت من يعلق (شوف جماعتك الشيوعيين).
{ ما رأيك في الخطاب الديني في السودان؟
– الخطاب الديني في السودان غير سليم وينفر الناس أكثر مما يدعوهم للحسنى.
{ هل قرأت السيرة النبوية الشريفة؟
– لازم لازم لازم.. قرأتها بالطبع.
{ لمن تعطي الدرجة الكاملة: شيوعي تربال والآخر متمكن في الخطاب السياسي الصحيح؟
– ليس لنا شيوعي فوق وآخر تحت، الكل يؤدي دوراً في تطوير حياة من حوله من الناس.
{ هل يقرأ “أبو لينا” الكتب؟
– أقرأ ولكن أنسى، وطريقتي من الاستفادة متسربة في الإدراك والإحساس بالحقيقة.
{ كثيرون تغيرهم كتب عظيمة حسبما برون؟
– أنا لست من هؤلاء الذين تغيرهم كتب مكتوبة مهما كانت عظمة الأفكار.
{ سياج السرية المضروب يحرج دعاوى الديمقراطية؟
– السرية مفروضة علينا فرضاً ونعمل في الأنظمة الديمقراطية بشفافية زائدة.
{ هل كنت تعلم أين كان يختبئ نقد؟
– جداً، أعلم، وكنت أقابله في مكان ثالث للمناقشة والتداول.
{ إذن أخبرنا أين كان يختفي نقد لأن كل شيء انتهى ولا داعي للتكتم؟
– لن أخبركم ربما نحتاج له مرة أخرى.
{ من هو الشيوعي المثالي؟
– هو الشيوعي الملتزم.
{ هل التقيت بالترابي؟
– ألتقي به دائماً لأنه جزء من تحالف قوى الإجماع.
{ وهل التقيت برجل رفيع من المؤتمر الوطني؟
– لن نقابل أي زول منهم وطبيعة النظام الشمولي هي سبب رفضنا اللقاء بهم.
{ عاوزين تسقطوا النظام؟
– عندنا عدة سيناريوهات مطروحة.
{ كيف تنظر للمستقبل؟
– المستقبل للحزب الشيوعي (أنا مطمئن).