(الشعبي).. لا تغرقوا الحوار في جدل الفقه
سواء كان من توصيات الحوار الوطني أو لم يكن، فإنه من غير المعقول ولا المقبول أن تكون مواد الدستور موضوعاً للخلاف الفقهي، والشقاق الديني، بين جماعات المسلمين في السودان.
فأمر الزواج لم يكن يوماً قضية للجدل في بلادنا، إجراءاته معلومة وشروطه معروفة، وقد تزوج أجدادنا وآباؤنا وشيوخنا، بمن فيهم الراحل الكبير الشيخ “حسن الترابي” على سنة تلك الشروط، ومنها موافقة الولي.
القرآن الكريم واضح في هذه المسألة، والأحاديث في هذا الصدد عن سيدنا رسول الله ثابتة وصحيحة، قال تعالى: (… وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا …) البقرة (221)، وهنا ثبّت الله حق تزويج المرأة لوليها، قال (لا تنكحوا) ولم يقل جل وعلا: (ولا تنكحن)، فإن الأخيرة تعني حقها في أن تزوج نفسها، شرط ألا يكون من المشركين.
ثم قوله تعالى : (… فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ…) البقرة (232)، وهنا كذلك توضيح لحق الولي إن كان أباً أم أخاً، وقد نزل في حق أحد الصحابة وقد منع أخته من الرجوع لزوجها بعد أن طلقها وأكملت عدتها، وكانت ترغب في العودة لزوجها، وهنا توجيه رباني بمنع الشطط والتعسف على المرأة في الاختيار، مع التأكيد في ذات الآية على حق الولي في الموافقة والمنع (تعضلوهن)، وبعد نزول الآية جاء الصحابي وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (الآن .. أقبل برجوعها).
وحديث الرسول الكريم: (لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها)، يقطع قول كل خطيب يجادل وجوب شرط الولي في الزواج.
وعلى وجه العموم، وغض النظر عن مخرجات الحوار الوطني، فإن الدستور ينبغي ألا يغرق في تفاصيل تحددها القوانين، فالدساتير ترسم الخطوط العامة لقوانين الدول وتضع المبادئ ولا تغرق في التفاصيل.
إن المطلوب من (المؤتمر الشعبي) أن يتمسك بمخرجات الحوار الوطني المتفق عليها في القضايا السياسية، وأن ينأى بالبلاد من إثارة الفتنة في قضايا الفقه، فرغم تقديرنا الكبير المعلوم لراحلنا وشيخنا الكبير الدكتور “حسن الترابي”، إلا أن قادة المؤتمر الشعبي يعلمون جيداً أن العديد من آراء الشيخ غير متفق عليها عند غالب علماء وفقهاء السودان، مثل قضية الزواج بدون ولي .. المثارة حالياً، وموضوع الردة، وإمامة المرأة في الصلاة وغيرها من الجدليات، ورغم ذلك لم نعلم حتى توفاه الله .. أن الشيخ “الترابي” صلى خلف امرأة من أهل بيته أو من نساء الشعبي.. أليس كذلك؟!
إن المؤتمر الشعبي.. في نظري، أهم أحزاب الحوار الوطني من ناحية الفاعلية والتأثير والمبادرة، ونريد له أن يستمر في حراكه الإيجابي لصالح وحدة النسيج الوطني وتماسك أمة الإسلام، ولا نريده أن يستهلك الطاقة ويهدر الوقت في انصرافيات هي ليست من أمهات القضايا.
أما مواد الحريات العامة التي لا تمس الدين في حق الردة والزواج المفتوح بدون ولي، الحريات التي أجازها مؤتمر الحوار الوطني، فمن حق الشعبي أن يتمسك بها ويقاتل دونها، دون ضرورة للتمسك بشكل الصياغة ومفرداتها، فالأهم هو لب الموضوع وجوهره .. وليست لغته.
سبت أخضر.