بعد ومسافة
مسودة الحريات.. عاصفة على الباب!
مصطفى أبو العزائم
أكاد أرى الزلزال القوي يتوعد مجتمعان بالتفكك وتقطع الأوصال وفك خيوط النسيج الاجتماعي من خلال الجدل الفقهي المثار هذه الأيام حول مسودة الحريات في التعديلات الدستورية المقترحة، والتي دفع بها المؤتمر الشعبي، وقد أثارت حفيظة علماء المسلمين ونعتوها بأبشع النعوت، ووصفوها بأقبح الصفات، وطالبوا بسحبها فوراً من مقترح التعديلات، لأنها – حسب ما ذكروا – مدعاة للفوضى ومدمرة للأسر، تقود للتفكك الأسري والخروج على الولي في عقد الزواج، إضافة إلى أنها نفت حد الردة والرجم بغرض حرية التنقل من مذهب إلى مذهب، ومن دين إلى أخر.
نعم.. هناك زلزال مدمر ينتظرنا، وتقف على أبوابنا عاصفة من نار لن تبقى ولن تذر، خاصة في جانب حرية الاعتقاد، ونحن نرى الآن نذر الخراب إذا ما أجيزت هذه التعديلات على علاتها – والتي نرى أنها اجتهاد تجديدي يضر ولا ينفع، يؤخر ولا يقدم، لأنه يخالف المادة الخامسة من الدستور التي تجعل الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريعات، مثلما نرى أنها اجتهاد في أمور وقضايا محسومة قرآناً وشرعاً، مثل قضية المساواة بين الرجل والمرأة، إذ لا نستبعد أن ترتفع أصوات بمساواة المرأة والرجل في الميراث انطلاقاً من تلك الاجتهادات.. وهذا باب قديم للفتنة بطلاء جديد تدخل من خلاله اتفاقية (سيداو) علينا.. و.. بالدستور.
بلادنا دولة سنية وسطية ليس فيها تشدد أو تطرف، ومع ذلك تم استهداف شبابنا من الجنسين لجذبهم نحو الحركات والمنظمات الدينية المغلقة، والسرية، وأخذوا يتسرَّبون من بين أيدينا، ونفجع كل يوم بخبر وفاة أحدهم أو إحداهن في أرض غريبة عنا وعنهم، نعم.. ليس ذلك فحسب، بل فلنراجع أنفسنا ومجتمعنا الآن قبل أن نجيز هذه التعديلات الدستورية التي تبيح ما نخشاه من تحولات في العقيدة، والتنافس على الدعوة المذهبية الشاذة والغريبة – وهو أمر وارد ومحتمل – فلنراجع أنفسنا قبل هذا وكيف أصبحت لدينا مجموعات تعمل بسفور واضح على الفضاءات الإسفيرية تحت مسميات غريبة مثل: (فتيات ضد الحجاب) (وملحدون سودانيون) ومجموعات أخرى نستحي من تسمياتها وارتباطها بأفعال شاذة لا يقبلها دين ولا شرع ولا تقرها طبيعة البشر.
قد يكون هناك حسن نية لدى البعض عندما دفعوا بمثل هذه التعديلات الدستورية لإجازتها من البرلمان، لكننا نرى أن نواب الشعب المنتخبين لن يجيزوا مثل هذه التعديلات المخالفة للشريعة الإسلامية، ولا نحسب أنهم سيعملون من أجل تسييس قواعد الشرع، تجديداً أو اجتهاداً، وبيننا وبينهم كتاب الله وسنة رسوله الكريم، وهناك القياس وإجماع الأمة الذي يجيء من إجماع علمائها الأجلاء الأفاضل.
لا بد من أن نحيي المواقف الشجاعة والجريئة وتلك الأصوات العالية الصادعة بالحق، الرافضة للباطل من داخل هيئة علماء السودان، ومن داخل جماعة أنصار السنة المحمدية، ومن داخل مجمع الفقه الإسلامي، لكننا مع ذلك نحذِّر من الانجرار وراء ما يمكن أن يكون استفزازاً يقود إلى المصادمات، والتي ستشق الصفوف وتقسِّم المجتمع أكثر مما هو منقسم الآن، ونحذِّر من الفتنة التي لن تأتينا من ساحات الفكر ومن خلال برامج التلفزة الحوارية أو البرامج الإذاعية أو من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، والإعلامي الحديث، فالفتنة يمكن أن تأتينا من منابر الخطباء في المساجد.
لا بد من تدخلات رسمية تجمع بين الفرقاء الذين اختلفوا حول هذه التعديلات، ولا بد من أن يقدم حزب المؤتمر الشعبي دفوعاته وأن يشرح مقاصده بمفردات واضحة لا لبس فيها، خاصة وأن بعض قيادات الشعبي ترى أن البعض أساء فهم هذه التعديلات المقترحة مع توضيح مهم حول موضوع الولي، لأنه وحتى في المادة القديمة في دستور 2005م، لم تتم الإشارة من قريب أو بعيد لموضوع الولي، لأن الشروط غير مذكورة في الدستور، بل هي في قانون الأحوال الشخصية.