الفصل ودواعيه
فصل منصب النائب العام عن وزارة العدل فكرة أيقن الراحل د.”حسن الترابي” بأهميتها لتحقيق العدالة في بلدٍ ظلت ترزح تحت وطأة الظلم طويلاً، وتدخل التنفيذي في تعطيل الحقوق ووضع العثرات الإجرائية أمام من يبحث عن حق ضائع من سلطان قابض على الحكم والقرار.. و”الترابي” منذ أن عين وزيراً للعدل في عهد مايو سعى لتأطير ما يعتقد أنه المثال قانوناً وكاد أن يفصل منصب النائب العام عن وزير العدل لجعل النيابة أكثر استقلالاً عن الجهاز التنفيذي والنأي بها عن مزالق السياسة وتقاطعات المصالح، لكنه فشل في فرض رؤيته وفلسفته التي جاء بها من التجربة الغربية وخاصة المدرسة الفرنسية في العدالة.. وفصل السلطات.. وتم الزج بقضية جدلية فلسفية فنية من ساحات جدل القانونيين ومدارسهم ومذاهبهم المتعددة، إلى غمار معترك السياسة عبر نافذة الحوار الوطني لتجد فكرة “الترابي” رواجاً ودعماً من دعاة التغيير في مؤتمر الحوار خاصة من قبل منسوبي المؤتمر الوطني ووزير العدل الحالي د.”عوض حسن النور” بصفة خاصة.. وفي ظل حاجة مؤتمر الحوار الوطني لشيء ما يضيف لرصيد التغيير الذي ينتظره أهل السودان، تم فصل منصب النائب العام عن وزير العدل ليصدر قرار بتكليف وزير العدل بمنصب النائب العام ليجمع الوزير بين النقيضين، كالجمع بين الأختين في الشرع.
لكن تم تدارك الخطأ بتسمية مولانا “عمر أحمد” نائباً عاماً كأول مسؤول رفيع يتم تعيينه بموجب استحقاقات إنفاذ مخرجات الحوار الوطني، وبمجرد تعيين مولانا “عمر أحمد” انهالت عليه فؤوس التقريع والتندر خاصة من بعض الزملاء في الصحف.. وصلت في بعض الأحيان لتوجيه الاتهامات المباشرة لمولانا “عمر أحمد” الذي أبعده من قبل وزير العدل الحالي عن واجهة الجهاز العدلي وذهب به لموقع هامشي كمستشار للمجلس التشريعي، ولم تشفع للرجل سيرته الذاتية النظيفة ولا تجرده في الخدمة الطويلة الممتازة.. ولما جاء الإنصاف للرجل والاعتبار له، لم يجد الأستاذ “عبد الباقي الظافر” غير البحث عن علاقة رحم وصلات قربى تجمعه بالرئيس.. ولو كانت صلات القربى ووشائج الأرحام تشفع لمولانا “عمر أحمد” فكيف تم إبعاده من منصب المدعي العام وتكليفه بمهام مستشار قانوني لمجلس تشريعي وليس مستشاراً قانونياً بالضرائب والزكاة، وبنك السودان ونيابة المال العام، وتلك هي مواطن الدعة والكسب التي يتنافس للظفر بها المتنفذون والمقربون من صناع القرار.. ولم يثر “عمر أحمد” احتجاجاً على وزير العدل الذي لم يبعده لضعف كفاءة وهمة وقدرات إنما بسبب التيارات المتنافسة في الوزارة حيث يتربص كل تيار بالآخر.. وقد ارتفع وارتقى الوزير مؤخراً فوق تنافس أبناء الدفعة الواحدة والمذهب السياسي الواحد.
واختيار “عمر أحمد” يجب النظر إليه في سياق التطور السياسي بالبلاد، وقد عرفت عن “عمر أحمد” النزاهة والحيدة في الممارسة ونظافة أيديه من درن الفساد والإفساد.. فلماذا الهجوم والتقريع والاتهامات للطعن في شرف الرجل المهني وتلوين الأشياء لدواعٍ ذاتية، بعيداً عن تصويب النظر لمهام النائب العام وليس شخص النائب العام وانتمائه الجغرافي والعشائري ووشائج القربى مع الذين هم أعلى مرتبة منه.