تحالف قوى الإجماع الوطني.. الغياب من خارطة المشهد السياسي السوداني
هل تشهد الفترة المقبلة تنحي “أبو عيسى” عن قيادته؟
الخرطوم ــــ محمد جمال قندول
الناظر للعمل المعارض بالبلاد يلاحظ بصورة واضحة غياب قوى تحالف الإجماع الوطني عن المشهد السياسي سواء بالسلب أو الإيجاب، في وقت تساهم فيه مكونات “نداء السودان” في رسم المشهد السياسي بتجاذبها السياسي مع الحكومة، حتى من خلال اجتماعاتها على البعد في باريس وغيرها من مدن أوروبا الباردة أو الزهرة الجديدة أديس أبابا.. وعقب عودة رئيس حزب الأمة القومي “الصادق المهدي” يتساءل الكثير من المراقبين في الساحة السياسية، متى يعود “فاروق أبو عيسى” الذي غادر البلاد قبل أكثر من ستة أشهر لدواعي العلاج، ولم يعد حتى الآن، خاصة وأن الرجل يمثل ثقلاً كبيراً بالساحة كونه يقود تحالف الإجماع الوطني، من جهة، ولأنه يعدّ من أكبر السياسيين عمراً وحنكة مع “المهدي” و”الميرغني” من جهة أخرى.
{ بدعة الحوار
الموقف السياسي واضح جداً لتحالف قوى الإجماع الوطني، الذي يضم أكثر من (15) حزباً سياسياً أغلبها تمثل اليسار في التيار السياسي السوداني، ممثلاً في أحزاب البعث والاشتراكيين، بالإضافة إلى الحزب الشيوعي الذي تطغى سيطرته على التحالف، باعتباره أكبر الأحزاب المشاركة فيه وزناً في سوق السياسة، وهي ما زالت ترفض أي حوار مع النظام مع إصرارها على التمسك بالقضاء على نظام الإنقاذ بإسقاطه، مع تأكيدها الدائم عبر قيادات التحالف المختلفة أن الحوار مضيعة للوقت وبدعة اختلقها المؤتمر الوطني، وهو حوار غير شامل ولا يستوفي أسس المشاركة المنطقية فيه.
وحسب مصادر مقربة من “فاروق أبو عيسى”، تحدثت لــ(المجهر)، فإن الرجل سئم من وضع الساحة السياسية وما يجري بها، ووصفه بـ(العبث)، وأكدت أن الرجل يفكر جدياً في اعتزال السياسية مراعاة لظروفه الصحية التي انتكست خلال العامين الأخيرين، وذهب خلالهما إلى لندن لتلقي العلاج مرتين. وأكدت تلك المصادر أن “أبو عيسى” تقدم باستقالته من رئاسة التحالف أكثر من سبع مرات، وكلها قوبلت بالرفض من قوى الإجماع الوطني لعدم وجود بديل ملائم أو شخصية قيادية بوزن “أبو عيسى”، مشيرة إلى أن “أبو عيسى” لم يحدد أمر عودته إلى البلاد بعد، ولكنه حسم أمره بالتنحي عن قيادة الإجماع.
غير أن القيادي الناصري “ساطع الحاج” قال لــ(المجهر) إن “أبو عيسى” بخير، وإن بقاءه خارج البلاد كان لظروف صحية، والآن بلغ الصحة والعافية، وسيعود في أقرب فرصة إلى البلاد. ونوه “ساطع” إلى أن “أبو عيسى” يباشر مهامه بصورة طبيعية من هنالك.
فيما قال المحلل السياسي د. “صلاح الدومة” لــ(المجهر) إن قوى الإجماع كانت تعاني أصلاً من ضعف سياسي وعدم وجود سند جماهيري لها، بجانب أن القيادات التي تتبع لها ليست لها أية نية للتضحية، فقط تنتظر الشعب لينتفض لتحكم. وزاد “الدومة” قائلاً: (يكاد أبو عيسى أن يكون “مؤتمر وطني مزروع” داخل التحالف بقيادته للتحالف بمعارضة خجولة غير مؤثرة)، واستبعد أن يتنحى “أبو عيسى”، لكنه قال: (إذا كانت قوى الإجماع الوطني تطمح أن تغير واقعها فإنها قد تعفي الرجل)، لكنه يرى أن التحالف متمسك بـ”فاروق” لخبرته الطويلة.
القيادي بالمؤتمر الوطني وأمين أمانة التعبئة “عمار باشري” قال لــ(المجهر) إن المعارضة بشكل عام موجودة، لكنه عاد وتساءل عن مدى تأثيرها على الشارع، وأردف: (إذا أردنا أن نتحدث عن المعارضة بشكل عام بما فيها قوى الإجماع الوطني، فإنني أقول إن وجودها بالساحة لم يعد له تأثير استناداً إلى أنها تعمل بالخارج أكثر من الداخل الذي يتيح فرصة للتمعن بصورة أكثر واقعية).
{ فقدان الثقة بين المعارضة والشعب
يبدو أن الحزب الشيوعي أقرب إلى إعلان تحالف وشيك ومستقبلي مع الحركة الشعبية، الأمر الذي سيمهد له الانضمام إلى قوى “نداء السودان” في أية لحظة، وهذا سيضعف- حال حدوثه– تحالف قوى الإجماع الوطني، الذي بات يتهالك يوماً بعد يوم مع توقعات بحدوث اختراق بين الحكومة وقوى “نداء السودان” في أية لحظة.
ويصف المراقبون حالة قوى الإجماع الوطني بالساحة السياسية خاصة خلال الأعوام الأخيرة بالضعف، وعدم الوصول إلى صيغة تحالفية تخلخل النظام، وأن وحدته قائمة على هدف محدد هو إسقاط نظام الحكم القائم الآن، ويرجح المراقبون عدم وجود سند جماهيري، بجانب فقدان الثقة بين المعارضة والشعب، ورسوخ هذا المبدأ بصورة بائنة هو من الأسباب التي قادت إلى وجود هذا التحالف بلا أنشطة قوية حقيقية، في الوقت الذي يضم الإجماع الوطني في عضويته أكثر من (15) حزباً، بينما ينشط بصورة ملفتة تحالف قوي “نداء السودان” كجسم معارض للحكومة بأنشطة أكثر ووجود إعلامي مكثف، بالرغم من أن عضويته قليلة مقارنة بتحالف قوى الإجماع، ولا ينسى المراقبون أن وجود خلافات داخل هذا الجسم هو واحد من أسباب ضعفه، ويتوقعون أن يتنحى “أبو عيسى” خلال الفترة المقبلة لاعتبارات كثيرة أبرزها ظروفه الصحية، بجانب إيمانه بأنه لم يعد لديه شيء ليقدمه للساحة السياسية في العمل المعارض، وإصراره على التقدم باستقالته في أكثر من سانحة، وذلك لما وصفه في كثير من الأحيان بالعبث السياسي، بجانب عدم وحدة المعارضة كجسم واحد ليسقط النظام والاختلاف في كيفية إسقاطه، وأي ظهور قادم لـ”أبو عيسى” قد يشهد إصراره على التنحي والذهاب من قيادة تحالف.
ويبرز المراقبون بأن واحداً من الحلول لإنقاذ قوى الإجماع هو تغيير القيادات التي تقود الهيكل الراتب لها، وقبول استقالة “أبو عيسى” والبحث عن بديل مناسب ليقود بأفكار جديدة.
الجدير بالذكر، أن الساحة السياسية شهدت العديد من المتغيرات التي جعلت القوى السياسية المعارضة تنشط مؤخراً، خاصة انعقاد مؤتمر الحوار بالإضافة إلى قرب إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني، خلال الفترة القليلة القادمة، بجانب رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، وعودة “الصادق المهدي” في خواتيم الأسبوع قبل الماضي بعد غياب دام ثلاثة أعوام، والعديد من الملفات في ظل صمت وعدم تعليق من قبل قوى الإجماع الوطني.