الموت يغيِّب عمنا "الفاضل أزرق"
غيَّب الموت أمس، بقاهرة المعز عمنا ووالدنا القيادي الأنصاري وأحد الناشطين في حزب الأمة منذ التكوين في أربعينات القرن الماضي “الفاضل أزرق مصطفى”، والذي لازم إمام الأنصار السيد “عبد الرحمن المهدي” وإخوانه الإمام “الصديق” ثم “الهادي”، وظل وفياً لحزب الأمة والأنصار طوال تلك الفترة بماله وفكره وآرائه السديدة. لقد غاب عنا الوالد “الفاضل أزرق” بجسده، ولكن روحه السمحة وأياديه البيضاء على الكثيرين من حزب الأمة والأنصار، بل على أهله بود نوباوي ستظل خالدة وسيذكرها الجميع، بل سيذكرها التاريخ. فالوالد “الفاضل” ذهب إلى قاهرة المعز ولم يشكُ من مرض أو علة لازمته، ولكن هي أقدار الله، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ). لقد خلَّف من ورائه أبناء صالحين وقف على تربيتهم وصنعها وسقاها بماء الراتب وقرآن الفجر الذي كان مشهوداً.
إن الراحل كان شعلة أضاءت الطريق للكثيرين من أبناء الأمة والأنصار، وكان سياسياً متمرساً على النضال والقتال بالكلمة السمحة والحكمة والموعظة والشورى، ونحن إذ نفقده اليوم نفقد طيب المعشر والأدب الجم والتواصل الاجتماعي الكبير الذي داوم عليه في أحلك الظروف، ولم يتأخر عن معايدة الأهل والأصحاب، ولم ينقطع عن مواساة لفقيد رحل عن دنيانا أو مناسبة اجتماعية للأهل أو الجيران، بل كان يدعم بماله دون منِّ أو أذى.
أذكر خلال الفترة الماضية بدأت في عمل توثيقي لحي ود نوباوي، حاولت أن استجمع ذاكرتي منذ الصغر، وبدأت أكتب عن أهلنا بود نوباوي الذين نزحوا مع الإمام “المهدي” من جزيرة لبب أو من مناطق الأنصار بدنقلا واختاروا ود نوباوي مقر إقامة “المهدي” وأبنائه. وكان والدنا “الفاضل أزرق” عندما سمع بذلك كان يطالب من أبنائه وأحفاده بإطلاعه عما كتبت، بل كان يتصل عليَّ هاتفياً، ويكاد ينفذ من سماعة التلفون فرحاً بالذي أقوم به، ويظل يثني عليَّ ويقول لي: يا ابني الحمد لله الذي أمد في أعمارنا لنشهد واحداً من أبنائنا يقدم لأهله ما عجزنا أن نقدمه نحن.
إن عمنا “الفاضل أزرق” لم يكن رجلاً عادياً، فقد كان تاجراً ومزارعاً وسياسياً بارعاً، جاب مدن وقرى السودان المختلفة من أجل الحزب، ولقد اختارته هيئة شؤون الأنصار الفترة الماضية أحد القيادات، لتكرِّمه على ما قدمه طوال مسيرته الحافلة بالبذل والعطاء والتفاني، وبالفعل أقيم له تكريم فاق الوصف من حيث الإعداد وانطلقت جحافل المواطنين من منزله بود نوباوي حتى نادي ود نوباوي مقر التكريم، وقد حضر الحفل معظم أهله وأحبابه وأصدقائه، وكان تكريماً لائقاً بالدور الذي لعبه في الحياة السياسية والاجتماعية، ويحمد للهيئة هذا الصنيع الجيد الذي قامت به، وهو جزء قليل مما قدمه الراحل عمنا “الفاضل أزرق”.
واليوم تطوى صفحة ناصعة من حياة واحد من أعظم رجال حزب الأمة والأنصار، وستظل أعماله وأفعاله التي قدمها باقية يذكرها من تبقى من هذه الأمة ومن كيان الأمة والأنصار، وسيذكره أهله بود نوباوي والجيران وكل من سكن هذا الحي من غير الأنصار. ألا رحمة الله عليك يا أبا الكل ويا واهب الخير ويا باعث الأمل في قلوب الضعفاء والمساكين والمحتاجين. نسأل الله أن يتغمدك برحمته الواسعة وأن يلهم الجميع الصبر.