حوارات

الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار "عبد المحمود أبو" في إفادات جريئة لـ(المجهر) (1-2)

* “الزنا” كلمة قاسية لا تثبت إلا بشهود حتى في الشريعة الإسلامية
* يجب أن توضع ضوابط في ساحات الاحتفالات حتى لا تكون وكراً لمرضى النفوس
* الاحتفال برأس السنة من النوازل.. وإذا صاحبته معاصٍ فهي محرمة في ذاتها قبل الاحتفال
 في كل عام ، يثور الجدل حول احتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد، التى تجد اهتماما كبيرا من بعض اوساط المجتمع ،  ويصاحبه، في ذات الوقت ، استنكار شديد من بعض العلماء  الذين  لايترددون في وصفها بأنها مجاهرة بالمعصية، ويحملون  السلطات مسؤولية ما يحدث فيها، بل أن  بعضهم حرض رجال الشرطة على ضرب كل من يتجرأ على الفساد.  ولاتتخلف الدولة ، من جانبها ، في ابداء مايليها من اهتمام .ففي تلك الليلة، نشرت ولاية الخرطوم حوالي (8) آلاف شرطي لتأمين العاصمة في ليلة رأس السنة.
.. ونسبة لكثرة الجدل  حول  تلك الاحتفالات، حد تحريمها ، بل وتسميتها بليلة الفساد والإفساد والزنا، جلست (المجهر) إلى الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار الأستاذ “عبد المحمود أبو” ،الذي سمى الاحتفال بأنه من النوازل والمسكوت عنها، قال أنه لا غضاضة من الاحتفال بالجديد ، سواء كان عاماً جديداً أو مولوداً أو قادماً من سفر، لكنه  اشار الى أنه قد تحدث أشياء مصاحبة للاحتفال كالاختلاط الفاجر ،والخلاعة والتعري، وقال إن هنالك ضعفاء نفوس يستغلون هذه المناسبات لإشباع رغباتهم.. فإلى مضابط الحوار..
حوار – وليد النور

{ احتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد هذه العام وجدت استنكاراً من بعض العلماء وعدّوها مجاهرة بالمعصية. ماذا تقول في ذلك؟
_ أولاً هنالك قاعدة فقهية تقول “الحكم على الشيء فرع من تصوره”، ولكي تحكم على أية قضية أو حدث لابد من الإلمام الكامل بهذه القضية شكلاً وموضوعاً، والاحتفالات بالقضايا المفرحة والأشياء الجديدة ،أمر مركوز في وجدان الإنسان لأنه  يفرح بكل جديد.
{  ما حكم الاحتفال برأس السنة؟
_ الاحتفال برأس السنة أمر في عرف الفقهاء يسمى من النوازل.
{ ما هي النوازل؟
_ النوازل هي أشياء  لم تكن موجودة قديماً ،لكن تبعاً للتطورات والمستجدات في حياة الناس كثرت عندهم الاحتفاءات بمثل هذه الأشياء، والاحتفاء برأس السنة أو الميلاد أو المولد يدخل في إطار الأشياء المسكوت عنها.
{ وضح لنا أكثر معنى المسكوت عنها؟
_ المسكوت عنه بنص الحديث  :  ما أحله الله بكتابه فهو حلال،  وما حرمه بكتابه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو.  لكن الاحتفال مثله مثل غيره تقتضيه أحكام الشريعة، فإذا قلنا إنه من الأشياء المسكوت عنها،  بعد ذلك يتم تكييف ما يصاحبه، هو في ذاته ليس فيه غبار، لكن الأشياء المصاحبة له، هي التي ينبغي أن نطلق عليها الحكم.
{ كيف؟
_ مثلاً إذا صاحب هذا الاحتفال نوع من المعاصي والفواحش هي في ذاتها محرمة ، بغض النظر عن وجود الاحتفال، وإذا ارتبطت بهذا الاحتفال ، فان الأفضل للإنسان أن يتجنبه سداً للذرائع . والناس أصبحت تتعامل مع هذه الأمور وتربطها بمثل هذه الأشياء.. لكن القضية عندما تكون قضية عامة مجتمعية ، وأنت إذا رفضت أو لم ترفض ، أصبحت هي مشاعة ينبغي أن تكون هنالك توعية للناس، يعني إذا ابتلوا بمثل هذه الأشياء عليهم أن يتجنبوا المحرمات، وهي غير جائزة سواء في عيد الميلاد أو غيره، لذلك نقول إن الاحتفال في ذاته هو من الأشياء المسكوت عنها،  لكن إذا صاحبته معاصٍ ومنكرات هذه المنكرات محرمة لذاتها ، بغض النظر عن جواز الاحتفال من عدمه، وإذا أصبحت هي مرتبطة به ، الأفضل للإنسان أن يتجنب المجالس والمواقف، التي يكون فيها مثل هذه الأشياء بنص القرآن: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ..).
{ ما حكم من جهز الأماكن وزين الطرقات لإقامة الحفلات الراقصة؟
_ الدول عندما تقدم على مثل هذه السياسات لا تنظر إليها من ناحية الصحة والحرمة، لكن قد تكون المجتمعات تعيش حالة من الضيق،  تريد نوعاً من التنفس، وأصبحت الآن صفة عامة في أنحاء العالم كافة، الناس يحتفلون بهذه الأشياء لذلك..
{ ما هو الواجب الشرعي هنا؟
_ الواجب الشرعي أن يكون هنالك فاصل بين النساء والرجال،  حتى لا يكون هنالك اختلاط محرم.. ولا تمارس فيه الأشياء المصاحبة لهذه الاحتفالات: الرقص الماجن، الخلاعة، عدم وجود الزي المحتشم والاختلاط الفاجر.. هذه كلها ممنوعة.
{ ما هو واجب الدعاة؟
_ نحن كدعاة ، واجبنا أن نرشد الناس ونواجههم بالشيء السليم، ومن ابتلي بمثل هذه الأشياء يراعي حرمتها ، ويتقي الله في كل خطوة يخطوها.
{ لكن لم يكن هنالك أثر واضح للدعاة أثناء هذه الاحتفالات؟
_ طبعاً ، هناك  بعض الأشياء تخضع للتكيف، إذا وجدت مشهداً ، فان لديك ثلاثة خيارات إذا رأيت منكراً، والمنكر حسب ما يتحدث فقه المنكر لا ينكر إلا ما كان متفقاً على إنكاره، فإذا وجدت منكراً ،متفق على أنه منكر ، أنت كداعية يمكن أن تغير بلسانك ،لأن التغيير باليد ليس بيد الداعية، وإن رأيت أن هذا التغيير يؤدي إلى منكر أكبر ،تغير بقلبك وتقول ربي إني أبرأ إليك مما أشاهد.. طبعاً القضية تحتاج لعمل متكامل تربوي وإرشادي وإعلامي وقانوني، وهذه كلها إذا تم الاتفاق على أسس التعامل معها وأصبحت ثقافة عامة في المجتمع ،فكل جهة من الجهات، أهل الدعوة والتربية والقانون يقومون بدورهم لتقليل حدة التجاوزات ، في هذه التجمعات الكبيرة؟
{ الاحتفال بميلاد النبي “صلى الله عليه وسلم” عادة جميلة، لكن قد تصاحبه مالايليق  عظمة المناسبة كالاختلاط حتى الساعات الأولى من الصباح، مثلا، مارايكم  ؟
_ صحيح دائماً عندما تكون هنالك حشود كبيرة في مجمعات كبيرة وأماكن محصورة تحدث مثل هذه الاحتكاكات.. هذه طبعاً تعود لثقافتنا نحن، يعني ثقافة الصف ،والانتظام في مجتمعاتنا الشرقية، ربما تكون غائبة، نجد في المجتمعات الغربية والآسيوية عندما تكون هنالك احتفالات يخرج الناس بالملايين لكن كل إنسان يلتزم بمكانه وحدوده.. نحن محتاجون لثقافة احترام الصف، ووضع مسافة بينك والشخص الآخر، لذلك أنا على المستوى الشخصي أفضل أن تكون هذه الاحتفالات في المساجد، حيث ، يقيم الناس  احتفالاتهم  بصورة منتظمة وجيدة ،ويقرأون سيرة النبي “صلى الله عليه وسلم”.
{ ربما يظن البعض أن الاحتفال في الساحات الكبيرة هو مظهر لتأكيد حب الأمة للنبي “صلى الله عليه وسلم”؟
_ صحيح قد تكون هذه الأمة واحتفاؤها بالرسول “صلى الله عليه وسلم” أخذ هذا الجانب المظهري، لكن مع وجود الأصوات المتقاطعة ، ربما لا تؤدي الفائدة المطلوبة.
{ هل الظاهرة سودانية أم موجودة في دول أخرى؟
– مثل هذه التجمعات أصبحت ظاهرة سودانية وموجودة- ايضا – في العالم الإسلامي في مصر وأفريقيا.. المأمول أن توضع ضوابط تمنع أن تكون هذه الساحات وكراً لمرضى النفوس والأشخاص الذين يحاولون استغلال مثل هذه التجمعات لممارسة المنكرات.
{ البعض ربط بين هذه الاحتفالات ، خاصة رأس السنة ،وحدوث منكرات ، كالزنا مثلا ؟
_ “الزنا” كلمة قاسية، حتى في الشريعة الإسلامية لا تثبت إلا بشروط وضوابط ،وشهود لا يختلفون فيما يقولون، لكن الناس يمكن أن يتحدثوا عن مقدمات الزنا أو السلوك غير المنضبط، ومثل هذه الأشياء أو ما يسمونه في القانون الأفعال الفاضحة .طبعاً مثل هذه التجمعات الكبيرة عرضة لمرضى النفوس، لأن هنالك أشخاصاً كثر يستغلون مثل هذه الأشياء لتحويلها من مقصدها من الاحتفال بالرسول “صلى الله عليه وسلم” الذي جاء لتطهير البشرية لإشباع غرائزهم المحرمة.
{ هل تصل مرحلة تسميتها بليلة الزنا أو الفساد؟
_ صحيح، قد تحدث هذه الأشياء لكن لا أتصور ما يحدث أنه يصل المستوى، الذي يبالغ فيه كثير من الناس، هنالك من يبالغون في مثل هذه الأشياء ،ويقولون إن هذه أماكن عامة، وأقصى ما يمكن أن يحدث هو الاحتكاك، ونحن نأمل أن يستفيد الناس من الملاحظات هذه كلها، وبالتوعية والتوجيه والتربية وبالقانون ،نستطيع أن نقلل حدة التجاوزات في مثل هذه الاحتفالات. 
{ في هذه النقطة ، كيف تنظر لاحتجاج البعض  على قانون النظام العام الذي ترك تقدير الزي الفاضح للشرطة؟
_ أعتقد أن مثل هذه الأشياء لا تعالج بالقانون إنما بضبط حركة المجتمع، لكن الأساس بالتربية، عندما تكون هنالك تربية صحيحة في المدارس، وتوجيهات إعلامية للناس، وعندما تكون الأماكن التي تقام فيها مثل هذه الاحتفالات مهيأة بصورة تمنع مثل هذه الاحتكاكات غير المنضبطة سيكون  العلاج، لكن القانون وحده لا يعالج مثل هذه القضايا ،لأنه فقط يطبق عقوبات .وطبعاً قضية الزي والمظاهر والاحتشام هذه الأشياء ،في تصوري، لا يمكن ضبطها بالقانون، لكن بتوعية المجتمع بالصورة الصحيحة.
{ هنالك من يرى أن الأموال التي تصرف على الاحتفالات الأولى بها الفقراء؟
_ هنالك كثير من المحللين يقولون إن الإنسان السوداني والمسلم عموماً سلوكه في الغالب محكوم بمصالحه ،أكثر مما هو محكوم بعقيدته.. إذا أخذنا مثلاً لذلك ، تجد الإنسان مريضاً يحتاج لمبلغ قليل للعلاج،  فلا يجد من يعينه، لكن بمجرد موته يصرف الناس أضعاف ما كان يحتاج في مراسم العزاء.. إذن هي ثقافة مجتمع، والآن إذا طلبت من الشخص أن يدفع لك مبلغاً لعمل ثقافي أو تعليمي ،قد يعتذر لكن إذا طلبت أن يقيم وليمة في بيته  فانه ينفق ملايين الجنيهات.. هذه ثقافة راسخة في وجدان المجتمع السوداني ،ولا يمكن تغييرها.
{ ونجدها في الحج قد يحج الشخص أكثر من مرة؟
– عندما يأتي موسم الحج يقولون الأفضل للذي حج من قبل أن ينفق قيمة هذا الحج على الفقراء، لكن لا يستجيبون، وهي قضية محتاجة إلى وعي وتثقيف.. كثير من القضايا تحتاج إلى الحديث المباشر بصورة تغير ثقافة المجتمعات؟
{  وكذلك ،التركيز على بناء المساجد في الوقت الذي يحتاج الناس فيه إلى المستشفيات؟
_ صحيح، الآن صاحب الأموال الذي يريد أن ينفقها يركز جهده كله في بناء المساجد ، مع أن المجتمع يحتاج أكثر للمستشفيات والمؤسسات التعليمية، لكن هو في ثقافته وعقيدتهيرى  أن العمل في سبيل الله لا يكون إلا ببناء المساجد مع أن الله تعالى جعل الأرض كلها مسجداً للمسلمين، ولن تجد مشكلة في مكان تصلي فيه، لكن المشكلة  التي تواجه الناس هي كيف يجدون المستشفيات وقيمة الدواء والمؤسسات التعليمية.. هذه الأمور كلها تحتاج من الفقهاء ومؤسسات التربية والتعليم تسليط الضوء على هذه القضايا لتغيير ثقافة المجتمع.. صحيح هنالك كثير من الناس ينفقون أموالاً كثيرة في المناسبات والاحتفالات مع أن المجتمع يحتاج لهذه الأموال في أمور أكثر إلحاحاً وضرورة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية