الحاسة السادسة
“حبوبة إيا” (1-2)!!
رشان أوشي
حافظ حسين “حبوبة إيا” رواية تنتمي لمدرسة الواقعية السحرية، المدرسة التي يعتبر “غابريال ماركيز” الأب الروحي لها وهو روائي كولمبي يعتبر ضمن التصنيف العالمي، وقد برع في عكس سحر الواقع اللاتيني وإبتعاث أساطيره ضمن قراءات حيادية للواقع. وعوداً على ما نعكف عليه حالياً من إبداع الكاتب الشاب حافظ حسين لا بد من إلقاء نظرة خاطفة على خلفيته الثقافية، فهو أحد أبناء (الصعيد) الذين تشربوا في صغرهم بحكاياته وأساطيره، خريج جامعة الخرطوم في مساقاتها العلمية ولكنه اتجه إلى العمل الإنساني عبر بوابات الحقوق المدنية ويعد من أميز الاستشاريين في مجال العمل الإنساني، أسهم عمله كثير الأسفار في اجتيازه مسافات طويلة تعج بالثقافات المحلية، والعالمية، ويعتبر سِفره السابق في القصص القصير (السماء تمطر خيلاً) مقدمة دخول إلى عالم الواقعية السحرية، والإبداع التخليقي للأفكار والقناعات، فمن قراءتي لـ(السماء تمطر خيلاً) ما زال عالقاً بذهني فكرة أن أموات البحر وغرقى النيل لا يرزحون في مخيلة الجمع كموتى وما هم بموتى وما زلت أنشد معه ( يا المبروكة … سكن ساسوكا) .. * ساسوكا إشارة إلى موقع أو حياة أسسها الجن ومخلوقات ما وراء الطبيعة يذهب إليها الغرقى. من تلك البداية ومن حكايا حافظ حسين في موقع التواصل الاجتماعي (facebook) الممهورة بـ(حكايات من حلتنا) تسربل شامخاً إلى ضروب الرواية عبر “حبوبة إيا” وهي رواية تدور أحداثها عبر مشهدين متوازيين يختلفان زماناً ومكاناً وهذه إحدى التكنيكات الرائجة في الواقعية السحرية، يتحرك المشهد الأول عبر حياة آنية تعرض يوميات (الخضر) وهو حفيد حبوبة إيا الذي يشاركها صفة الخلود؛ فو طفل ينشأ في محيط أسرة كبيرة يصفها بالجنون وسوء السمعة مضافاً إليها وضعيتهم الاجتماعية كعرقية أدنى (عبيد سابقين)، هذا الخضر طفل يتمتع بالخلود المشروط فهو أحد مجموعة من الناس عاشوا لعهود وقرون طويلة اضطروا خلالها إلى تغيير أساميهم ومساكنهم واضطروا إلى قتل بعضهم البعض بغرض الاستحواذ على عمر وحكمة الآخرين ، يعي الخضر ذلك كله بعد أن هربت به حبوبة إيا وأعادته أبكماً. المشهد الثاني الموازي حياة حبوبة إيا وهي طفلة وحياتها مع الخطف والرق ومالكيها إلى صدور أمر الانجليز (الحكام حينها) بتحرير الرقيق، فهربت مع حبيبها من المسلمية إلى مدني وبعد مقابلة درامية مع الحاكم تم منحها صك الحرية الذي غادرت بعده إلى إحدى القرى التي أبق إليها العبيد والقتلة والهاربون. هذا المشهد الموازي يتداخل في الرواية عبر هذيانات أشبه بالوحي ترد إلى الخضر ليفيق بعدها على واقعه الراهن. من المفيد جداً النظر إلى حبوبة أيا على أنها ضرب جديد من ضروب الإبداع من حيث الحيادية فهي رواية تعكس الواقع (حينها) بحيادية مدهشة، دون أن تعبأ بفكرة النصر والهزيمة، ولم تقدم أبطالاً جدداً إلى المخيلة الشعبية عبر المقاومة لحياة الرق كما حاول أن يفعل الكثير من الرواة، ولم تحفل بالهزيمة كثيراً في عرضها لبؤس العبيد وطرق خطفهم وعرضهم في الأسواق، وتحايل زعماء العشائر والتجار على قوانين الدولة التي منعت تجارة الرق بل استرسل الراوي في التزام مدهش بعكس الحياة كما هي. وقد أفاد منها في حبك روايته عبر تقاطعات مع التاريخ لم تخلُ من تأثير كبير على حياة شخوص الرواية. فالقص الذي يصنف الرواية إلى روح الهزيمة أو النصر لم يكن حاضراً كفاية ليثني طريق حبوبة إيا من ضربها السحري. وقد جاوز الكاتب (حافظ حسين) ركونه إلى النمط السهل في السرد بابتداع أسلوب الروائي المدرك الذي يسرد من منطلق العلم مما يتيح له خيالات أوسع وأرحب وإمكانية تصوير أشمل، ولكن اتبع أسلوب استحداث شخصية الراوي من داخل شخوص الرواية، وربما يتعقد هذا التصنيف أكثر إذا اعتبرنا أن الخضر في هذياناته عن حيوات حبوبة إيا راوي من خارج المشهد، ولكن على عموم الرواية اتخذت هذا النهج بتكنيك عالٍ يدفع القارئ إلى تخليق عوالمه ومسرحه الخاص للرواية. أما عن شخصيات الرواية فقد تواتر الشخوص بتتابع مذهل في الظهور.
أحمد الحلاوي