هل ينجح "سلفاكير" في إعادة بناء جسور الثقة بين الخرطوم وجوبا ؟
رئيس جنوب السودان في الخرطوم بعد أسبوع
الخرطوم – محمد جمال قندول
يعتزم رئيس جنوب السودان “سلفا كير ميارديت” زيارة الخرطوم خلال الأسبوع المقبل، في زيارة ستكون لها ما بعدها خاصة في ظل الضبابية التي سادت أجواء العلاقة بين الخرطوم وجوبا طيلة الأعوام التي تلت انفصال الجنوب في دولة مستقلة. وكان وزير الخارجية الجنوبي “دينق ألور” قد اختتم زيارته للبلاد، التي امتدت ليومين، وغادرها صباح أمس (الثلاثاء). وقد بدأت زيارة “ألور” منذ الحادي والثلاثين من ديسمبر مشاركاً باحتفالات البلاد بأعياد الاستقلال، وممهداً لزيارة الرئيس “كير “، والتي تعتبر الأولى منذ أكثر من (3) سنوات .
ومن المتوقع أن تحظى زيارة “سلفا كير” باهتمام كبير من قبل المراقبين خاصة، وأنه سبقتها زيارة وزير خارجيته، الذي ربما رسم ملامح زيارة رئيسه للخرطوم بشكل كبير، والملفات التي يتوقع أن توضع على طاولة الرئيسين.
القضايا العالقة بين البلدين
وكان وزير الخارجية البروفيسور “إبراهيم غندور” ، قد قال في تصريحات صحفية أمس الأول (الاثنين)، بأن الرئيس “البشير” قد تلقى رسالة شفهية من نظيره الجنوبي، حملها وزير خارجيته ، تتعلق بسبل تنفيذ الاتفاقيات، التي ناقشها الرئيسان خلال لقائهما على هامش القمة الأفريقية الأخيرة بمالابو، عاصمة غينيا الاستوائية.
وأشار “غندور” خلال حديثه إلى أن زيارة “سلفاكير” للخرطوم ستأتي لإكمال مناقشة القضايا المشتركة بين البلدين دون الخوض في تفاصيلها، موضحاً في ذات الوقت بأن، الجهات المعنية عبر اللجنة السياسية والأمنية بالبلدين تتابع تنفيذ تلك القضايا.
وقال “غندور” بأن مباحثاته مع وزير خارجية جنوب السودان شملت التنسيق بينهما في القضايا التي تهمهما بجانب القضايا الإقليمية والدولية، وما يتعلق بدول شرق إفريقيا بشكل خاص.
ومن جهته، وصف وزير الخارجية “دينق ألور”، اللقاء مع الرئيس “البشير” بالممتاز، مشيراً إلى أن زيارة الرئيس “سلفاكير” المقررة للخرطوم الأسبوع القادم، تهدف لتوطيد العلاقات وبحث القضايا العالقة بين البلدين. وأشار “ألور” إلى توصله لتفاهمات مع وزير الخارجية السوداني، دون أن يكشف عن مضمونها .
وبحسب مصادر رفيعة المستوى، تحدثت لــ(المجهر) فإن الرئيس الجنوبي “سلفاكير”، سوف يصل الأسبوع القادم في زيارة تستغرق يومين، بمعية وفد كبير من وزراء حكومته وسوف يعقد مباحثات مشتركة مع نظيره “البشير”، في الملفات العالقة بين الحكومتين منذ العام 2012 م، وأشارت المصادر إلى أن حكومة الجنوب باتت على يقين بضرورة تحسين علاقاتها مع الخرطوم، وأن الأخيرة قدمت حسن النوايا في كثير من الأحيان، غير أن جوبا وصلت الآن لقناعة بضرورة طرد المتمردين . وأشارت المصادر إلى أن الوزير جاء وفد مقدمة مع تأكيده على حرص الجنوب بضرورة تحسين العلاقات مع السودان، وتنفيذ الاتفاقيات على أرض الواقع. وتوقعت المصادر حدوث مفاجآت سارة على مستوى العلاقات بين البلدين، خلال الفترة القليلة القادمة، مؤكدة أن جوبا ستلتزم بطرد المتمردين.
تبادل الزيارات
المحلل السياسي البروفيسور “حسن الساعوري”، يرى خلال حديثه لــ(المجهر) أمس (الثلاثاء) بأن المطلوب من قيادَتْي البلدين، خاصة جوبا، هو الأفعال لا الزيارات والخطابات .
لكن “الساعوري” لا يبدي تفاؤلاً بشأن الزيارة، ويقول : إن القضية ليست تبادل زيارات رئاسية وغيرها، وإنما هل من جدوى لهذا الزيارات، وزاد بتأكيده أن المطلوب ليس بيانات وزيارات وخطابات، وإنما تغيير على مستوى العلاقات بين البلدين.
ويصف “الساعوري” العلاقة القائمة الآن بين الطرفين الخرطوم وجوبا بأنها حالة توجس، ولأنه ليست هنالك ثقة بين البلدين. وقال: إن تلك الثقة المفقودة، لن تعود إلا بتغيير القيادات. وزاد : إن تحسين العلاقات وتغييرها إلى الأفضل يقتضي تغيير قيادة دولة الجنوب.
وبالمقابل قال نائب رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني د.”عبد الملك البرير” في حديث لــ(المجهر) بأن حكومة الجنوب لا زالت هي المتأخرة في تنفيذ الاتفاقيات، وأن الخرطوم لا زالت في موقفها ومبادئها الرافضة، لإيواء الحركات المسلحة المتمردة على دولة الجنوب.
اللقاء الرئاسي
وبحسب مراقبين، فإن اللقاء الرئاسي الذي تم بين “البشير” و”سلفا كير” على هامش القمة الأفريقية، بمدينة مالابو التي عقدت في نوفمبر الماضي كانت السبب الرئيس في التحول المفاجئ، في شكل العلاقة مما كانت عليه في العامين الأخيرين، حيث طغى عليها تبادل الاتهامات البلدين بدعم كل منهما للمعارضة المسلحة في البلد الآخر .
وقد تم اللقاء بعد شهر من تصريحات الرئيس “البشير” في شورى المؤتمر الوطني الذي انعقد في أكتوبر، والتي أعلن فيها إمهال جوبا حتى نهاية العام، لإبعاد الحركات المسلحة وتنفيذ اتفاقيات التعاون الـ( 9) المبرمة بين الدولتين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 27 سبتمبر 2012، والمتعلقة بمعالجة ثمان قضايا عالقة بين الدولتين عقب انفصال الجنوب، وتشمل القضايا الأمن، المواطنين، دفعيات فوائد ما بعد الخدمة، الحدود، التعاون بين البنوك المركزية، التجارة والموضوعات ذات الصلة، النفط والقضايا ذات الصلة، والقضايا الاقتصادية الأخرى، التي تضم الأصول والديون والمتأخرات والمطالبات، والحريات الأربع. وقال بأنه حال لم يتم تنفيذ الاتفاقيات فإنهم سوف يقلبون الصفحة – حد تعبيره.
القيادي السياسي بالحزب الاتحادي د.”علي السيد” وصف العلاقة بين البلدين بالمتوترة. وقال في حديث لــ(المجهر): إن حكومة الخرطوم لم تحدد موقفها، هل هي مع المعارضة أم مع الحكومة؟، مع “رياك مشار” أم “سلفا كير”؟ فهي تارة مع هذا وأحياناً مع الآخرين، على حد تعبيره، وزاد : إن الخرطوم لا تتمنى بقاء “سلفا” بالحكم ، وأضاف بأن العلاقة لن تتحسن إلا إذا نفذت الحكومة، ما تبقى من اتفاقيات نيفاشا، وفي مقدمتها ترسيم الحدود ومعالجة مسألة الديون السابقة. ويرى الدكتور “علي السيد” بأنهم في الحزب الاتحادي الديمقراطي لديهم رأي واضح، ولن يتغيَّر بأنه لابد من إعادة الوحدة بين الشمال والجنوب. وتوقع السيد بأن يحدث هذا مستقبلاً، ولكنه من الصعوبة أن يتم بالوقت الحالي.
وبحسب المراقبين فإن الخرطوم في وضع أفضل من نظيرتها جوبا. فقد شهد السودان خلال الفترة الأخيرة انفتاحاً في العلاقات الخارجية على كافة المستويات، في الوقت الذي يعيش فيه الجنوب حرباً أهلية طاحنة، راح فيها الآلاف من المواطنين الجنوبيين، بجانب أن الدول الغربية والمنظمات الأجنبية نفد صبرها على الجنوب، لذا فإن جوبا ستجد نفسها مجبرة على الالتزام بتنفيذ الاتفاقيات في وقت قريب.
وتوقع المراقبون بأن تلتزم جوبا هذه المرة، وتصدق في وعودها مع حدوث انفراج كبير على مستوى العلاقات، ستظهر خلال فترة قليلة قادمة، وذلك قياساً على المؤشرات التي حدثت مؤخراً، لتعود الثقة بين البلدين.