تقارير

(المجهر) تسجل زيارة خاصة لأسرة (أبو الصحف) "أحمد يوسف هاشم" وتخرج بالمثير

هشام أحمد يوسف: بهذا المقال حوّل الوالد مجرى الوحدة مع مصر إلى الاستقلال الكامل..!!
لهذا السبب اضطر السيد “عبد الرحمن المهدي” لزيارة والدي في منزله ليلاً!
والدي كان يعبئ الرأي العام ضد المستعمر بقلمه وتعرض للاعتقال كثيراً
حوار ـ نجل الدين ادم ـ هبة محمود
في أواخر العام 1906 بقرية “بري المحس” أطل فارس الكلمة، و(أبو الصحف) كما يحلو للكثيرين مناداته عقب تأسيسه أول صحيفة سودانية مستقلة. كان “أحمد يوسف هاشم” صحافياً لا يشق له غبار وكاتباً محترفاً من الطراز الأول وسابقاً لأوانه، كما كان جندياً محارباً من أجل بلده، شاهراً قلمه.
(المجهر) سجلت زيارة لمنزل (أبو الصحف) حيث أبنائه وأحفاده فالتقينا أصغر الأبناء المهندس “هشام أحمد يوسف”، وحدثنا عن ماضٍ ناصع لفارس الكلمة الذي حوّل مجرى الوحدة مع مصر إلى الاستقلال الكامل عبر مقالة شهيرة هزت عرش المستعمر.. تفاصيل شيقة عن مواقف ومجاهدات (أبو الصحف) وحرمه حكها لنا ابنه “هشام”، وعن علاقات الرجل الواسعة مع الرؤساء وقادة الأحزاب.. فإلى المضابط.. 
{ في البدء.. حدثنا عن “أحمد يوسف هاشم” الصحافي؟
_ بدأ والدي مزاولة العمل الصحافي في سنوات صباه الغضة، وتحديداً في الرابعة عشر، عندما سافر إلى مصر بصحبة فضيلة الشيخ “محمد المبارك عبد الله” شيخ علماء السودان آنذاك، وتتلمذ على يد عمالقة الصحافة المصرية وقتها ليعود إلى السودان في أعقاب مقتل السير “لي ستاك” حاكم عام السودان في مصر، حيث تم إبعاد السودانيين تماماً.
{ بداية احترافه العمل الصحافي؟
_ التحق في عام 1926 بالعمل في المحاكم الشرعية بوظيفة كتابية ومكث بها عدة سنوات، ثم عاد مرة أخرى إلى مصر ليحترف مهنة الصحافة تحت إرشاد كثير من الكتاب المصريين أمثال (التابعي ـ أبو الفتوح)، وكانت الجريدة الوحيدة التي تصدر في السودان آنذاك هي (حضارة السودان)، ثم رجع إلى السودان وعمل في صحيفة (الفجر) مع “عرفات محمد عبد الله”، ثم تولى رئاستها، وفي عام 1935 تأسست شركة الطباعة والنشر، وكان من أكبر المساهمين فيها دائرة المهدي و(كونت مخلص)، فأصدروا جريدة (النيل) وعهدوا برئاسة تحريرها للصحافي المصري “حسن صبحي”، وكان هذا بزوغ عهد جديد في الصحافة الحرة بالسودان، وهو ما شجع الوالد على العودة لبلاده، فالتحق بجريدة (النيل) كمحرر ثم صار رئيساً للتحرير في 1941.
{ من أين اكتسب والدك هذه الإمكانيات والمهارات العالية التي عرفت عنه؟
_ والدي ينتمي لأسرة “الهاشماب”، وهي من الأسر المتعلمة وقد نبغ في تعلم القرآن وحفظه سيما أنه ما أن أكمل تعليمه الأولي في سنة 1915 حتى بدأت عليه علامات الزهد في المدارس، مبدياً بعدها رغبته في حفظ القرآن، فبعث به والده إلى (أم ضواً بان) لحفظ القرآن الذي ساعده من إجادة اللغة العربية، فقد كان متحدثاً وخطيباً محل دهشة من أقرانه، وعندما التحق بالأزهر الشريف كان في فترة العطلة يقرأ عن ظهر قلب كل الخطب السياسية التي قالها الزعماء المصريين في ذلك الوقت، فهو يتمتع بموهبة أجمع عليها الجميع كما أنه كان جريئاً لا يعرف الخوف طريقاً إليه ويكتب ما يريد كتابته.
{ “أحمد يوسف هاشم” سياسي وصانع للأحداث؟
_ “أحمد يوسف” من الذين صنعوا تاريخ السودان الحديث برأيه وقلمه، بداية من الدعوة لنجاح مؤتمر الخريجين، فقد كان رئيساً لحزب القوميين وسكرتيراً للجبهة الاستقلالية السودانية التي دعت للاستقلال وعضو الجمعية التأسيسية الأولى ، ولخلافه مع “المحبوب صالح عبد القادر” في الجمعية التأسيسية الخاصة بالدستور اضطر لتقديم استقالته هو و”محمد أحمد المحجوب” و”صالح عبد القادر” وسموا حينها بالفرسان الثلاثة، وذلك في العام 1951 حيث كان عضواً برلمانياً.
{ أين كان موقعه من أول انتخابات العام 1053؟
_ كان موجوداً، لكنه كان يريد لقلمه أن يكون حراً أملاً في سودان جديد، لذلك اكتفى بأن يكون أول رئيس لاتحاد الصحافة السودانية.
{ كيف كانت مقاومته للمستعمر؟
_ كانت لديه صولات وجولات ضد المستعمر في كل المجالات عبر سلسلة من المقالات التي تسببت إحداها في إعفاء “مستر بول” وعودته لإنجلترا، وقد قال عنه يومها السكرتير الإداري “روبرتسون”: (أحمد يوسف هاشم زي شوكة الحوت في حلوقنا). والدي كان يعبئ الرأي العام ضد المستعمر بقلمه، وكل ما يحدث في البلاد كان لديه رأي واضح وصريح فيه، فمقالاته كانت ذات أثر كبير، ففي أحد الاجتماعات دعا السكرتير الإداري الصحافيين لحضور اجتماع ما، وأثناء حديثه غضب ورمى القلم في وجه الصحافيين مما أثار حفيظتهم وغضبهم، فكتب والدي مقالاً واحداً أجبر المستعمر على الاعتذار في اليوم التالي.
{ إلى أي مدى يمكن القول إن “أحمد يوسف” ساهم في صنع الاستقلال؟
_ إلى مدى كبير.. فقد كان والدي سبباً أساسياً في أن ينال السودان استقلاله.. الجميع جاهد من أجل طرد المستعمر، ووالدي جهاده كان بقلمه وكتاباته المؤثرة، وقد كتب مقالاً ساخناً غير مجرى الوحدة مع مصر إلى الاستقلال الكامل تحت عنوان (أيها الصاغ المغرور)، وقد اعتقل كثيراً بسبب مواقفه.
فقد كان أول رئيس لاتحاد الصحافة السودانية وكانت لديه مقالات مشهودة حيث يحترمه الإنجليز. وعندما نصب تمثال “كتشنر” كتب مقالا تحت عنوان (أما آن لهذا الفارس أن يترجل)، ومن أشهر مقالاته (حكومة المفتشين) و(إليك يا صاحب المعالي) وهي سلسلة المقالات التي كان لها تأثيرها على المستعمر، وقد تسببت إحدى مقالاته في إعفاء المستر “مور” الذي كان مأموراً على منطقة زالنجي، فقد قال عنه المستر “نيو بول”: (مقالات أحمد يوسف مثل شوكة الحوت في حلوقنا).
{ حدثنا عن الاجتماعات التي كانت تدار في منزله؟
_ والدي كان صانع قرار، والمنزل كان قبلة لجميع السياسيين من أي مكان وفي أي زمان.
{ السياسيون كافة بمن فيهم الزعيم “إسماعيل الأزهري”؟
_ جميعهم بمن فيهم “الأزهري”، فلوالدي علاقة ممتازة تربطه به، وكان يزوره كثيراً.
{ السفريات والرحلات التي يقوم بها ضمن أعضاء الحكومة.. هل كانت بصفته سياسياً أم صحافياً؟
_ سفريات المفاوضات إلى مصر كانت بصفته سكرتيراً للجبهة الاستقلالية وعضو مفاوضات، أما بقية السفريات فقد كانت بوصفه صحافياً، فعلى سبيل المثال حضوره لمؤتمر “باندونق” كان بصفته رئيساً لاتحاد الصحافة السودانية، وخلاف ذلك فقد سافر والدي رحلات كثيرة إلى عدد من الدول، وكان وكيلاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
{ كيف هي علاقته مع الرئيس المصري الراحل “محمد نجيب”؟
_ علاقة صداقة قوية لدرجة أنه كان يزوره في المنزل، وقد سهلت هذه العلاقة في إجراءات التسليم والتسلم في الاستقلال.
{ مواقف في حياة (أبو الصحف)؟
_ حكت لنا الوالدة أن المسؤول المصري في الحكم الثنائي – الإنجليزي المصري – الصاغ “صلاح سالم” جاء إلى الوالد (أبو الصحف) في منزله ليلاً، حيث تحدث إليه عن أواصر النسب بينهم، لأن زوجة “أحمد يوسف”- الوالدة- كانت من أصول مصرية، وفي نهاية الأمر دخل معه في مساومة بشأن مقالاته الرافضة للوحدة مع مصر فما كان من الوالد إلا أن فتح باب المنزل وأشار إلى الصاغ “صلاح سالم” بالمغادرة، وكتب في اليوم التالي مقالاً ساخناً تحت عنوان (أيها الصاغ المغرور).
ومن المواقف أن الوالد كتب مقالاً تحت عنوان (حزب الأمة في قفص) توطئه لنشره، وعندما بلغ السيد “عبد الرحمن” حديثاً عن أن مقالاً بهذه الشاكلة سيُنشر ذهب إلى منزل (أبو الصحف) وأوقف سيارته وطلب من حارسه الخاص المناداة عليه، وعندما حضر طلب الإمام من الوالد وقف النشر، فاستجاب له وسلم على رأسه، سيما وأنه كان لديه تعاطف مع طائفة الأنصار.
{ أصدقاؤه في الوسط الصحافي؟
_ “العتباني، عرفات محمد عبد الله، فضل بشير” وغيرهم، فقد كان يتمتع بعلاقات كبيرة وممتازة داخل الوسط الصحافي.
{ من أين جاء لقب (أبو الصحف) ومن أطلقه عليه؟
_ لا أعرف تحديداً من هو مطلق اللقب، لكن مناسبته حسب ما أعلم لأنه مؤسس أول صحيفة سودانية مستقلة وهي (السودان الجديد).
{ أكثر ما يميز “أحمد يوسف هاشم” عن الغير؟
_ كان يتميز بأنه صحافي شجاع ولا يخاف إلا من الله تعالى، بجانب أنه كان يعرف كيف يصنع المانشيتات، هذا من جانب العمل، أما من جانب العلاقات فقد كانت ممتازة إذ كانت تصب في مصلحة السودان، أما خلاف ذلك فمن الممكن أن يصبح عدوك.
{ حدثنا عن الأسرة ومساندتها لمسيرة الوالد؟
_ الأسرة تتكون من الوالدة “اعتدال سلامة” وهي تعدّ أول امرأة سودانية تتولى رئاسة مجلس إدارة لصحيفة في السودان، وكان لها دور كبير في مسيرة الوالد، فقدت كانت امرأة عصامية وساعدته كثيراً، أيضاً أخي الأكبر د. “أبو القاسم أحمد يوسف” وهو (طبيب أسنان)، ثم “عصام أحمد يوسف” (جراح)، “إلهام” (مهندسة)، “أُمام” دكتور في الاقتصاد بالإضافة لشخصي الضعيف (هندسة مطارات). وكانت له زوجة أخرى وهي ابنة عمه ” لطيفة الطيب أبو القاسم” وهي والدة أخي ” أبو القاسم”.
{ لما لم يسر أي منكم في درب الوالد؟
_ التأميم الذي تعرضنا له في سبعينيات القرن الماضي كان أحد الأسباب في أن يسلك كل منا اتجاهاً مختلفاً، فقد أدركنا وقتها أنه لا توجد حرية للصحافة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية