رأي

بعد.. ومسافة

استفتاء شعبي لإسقاط النظام !
مصطفى أبو العزائم
 
لم أتوقع غير ما حدث بالأمس فيما يتعلق بمدى الاستجابة للدعوة الخاصة بالعصيان المدني، وكنت أطمئن بعض أهل بيتي بأن اليوم سيكون عادياً، ليس فيه ما يستوجب الخوف أو الحذر الزائد، وقد خرجت مبكراً لأجد ذات الحراك اليومي، وذات الزحام عند تقاطعات الطرق المتعارضة، وعند شارات المرور.
لم أتوقع غير ذلك، ليس استخفافاً بالشباب الذين دعوا للعصيان المدني، لأنني أعلم أن سريرتهم السياسية نقية، ونواياهم إصلاحية، واحتجاجاتهم تستوجب التعامل معها باحترام، لأن الأصل في كل الذي حدث كان هو رفع الدعم عن الدواء.. وهذا هو ما حرَّك أوتار الإنسانية للتعاطف مع المرضى والفقراء والمساكين وغالبية أهل السودان الذين يعيش أكثر من (46%) تحت خط الفقر، إذا ما حل بأي منهم مرض يتطلب الكشف والتشخيص والدواء والمراجعة، وكل ذلك يجبر المريض وأهله على تحمل فاتورة عالية.. عالية فوق طاقة الفرد أو الأسرة.
ومثلما توقعت مر اليوم عادياً، وانتظمت الدراسة في كل مدارس الخرطوم، وسارت كما هي عليه كل يوم، ولم تغلق المتاجر أبوابها ولا مراكز الخدمات، لسبب بسيط، وهو أن الدعوة للعصيان الثاني صادف يوم أمس، لم تحمل جديداً، بل حملت من عوامل الفناء والفشل، أكثر من عوامل البقاء والنجاح، وذلك من خلال تبني بعض الحركات المسلحة للفكرة، وحمل بعض الأحزاب للدعوة والتطوع بتوزيعها في الداخل والخارج، دون اعتبار لأصحاب الدعوة الحقيقيين من الشباب غير المنتمين لحزب أو جماعة أو منظمة سياسية، وإن حاول كثيرون أن يلبسوهم لباسهم السياسي.
ما حدث بالأمس يعكس تماماً حالة المزاج السوداني الذي لا يتأثر بمؤثرات خارجية، ويرفض استغلال الظروف والأحداث لصالح فئة لم تسع لإصلاح مباشر ولم تفرز قيادة حقيقية يلتف حولها الناس، اللهم إلا حزب صغير، لكنه فاعل، وهو حزب المؤتمر السوداني، الذي كان يقول كلمته ويستظل بظلها، ولا يخشى سيف السلطان، ولا يطمع في ماله، لكنه حزب ما زال في طور التشكُّل والتكوين لتتوسع شبكته الجماهيرية العامة في المستقبل مع انحسار في عضوية أحزاب كثيرة، كانت عريضة وكبيرة ذات يوم، لكن زيادة نسبة الوعي، ونجاح ثورة التعليم العالي التي انطلقت بداية تسعينيات القرن الماضي والتي رفعت عدد الجامعات السودانية من خمس جامعات إلى أكثر من (150) جامعة وكلية جامعية، وزادت من القبول في مؤسسات التعليم العالي خمسة آلاف طالب وطالبة، إلى ما يقارب المائتي ألف طالب، هذه الزيادة زادت نسبة الوعي ورفعته تماماً بين شبابنا، الذين انتبهوا لقضايا وطنهم فأرادوا الإصلاح، ورفضوا محاولات (الاستغلال) تلك لطاقاتهم ونشاطهم وحركتهم في ذكرى (الاستقلال).
بالأمس كان الاستفتاء الشعبي الثاني، ليس لإسقاط النظام فحسب، بل لقيمة كثير من أحزاب المعارضة التي باتت تحلم بالتعلق في أكتاف الشباب لإسقاط النظام، والنظام قطعاً سيسقط إذا ما فقد مقومات استمراره، مهما كانت درجة ردة فعله مع رافضيه. ولكن هل آن الأوان؟ هذا الأمر بيد الله تعالى الذي يعطي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء.. ويعز من يشاء ويذل من يشاء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية