تقارير

هل تصبح (سبدو) "عبد الناصر" و"البشير" شرم شيخ السودان

صور ومشاهد من تخوم بحر العرب والضعين
“مادبو”: نبذنا الحرب وعصينا الشيطان !!
يوسف عبد المنان
بعض الأمكنة تفوح منها رائحة التاريخ وعطر المستقبل وطيب الحاضر، وبحيرة (سبدو) الواقعة جنوب شرق مدينة الضعين تمثل واحدة من البحيرات السياحية المنسية في بلادنا.. ولا تذكر (سبدو) إلا مقرونة بزيارة الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر”.. وحديثاً تذكر (سبدو) أيضاً، أول منطقة يزورها الرئيس “عمر البشير” بعد قرار مدعي المحكمة الجنائية بإعلانه المثول أمامه.. وفي الواقعتين مثلت (سبدو) للرئيس “عبد الناصر” بارقة أمل وشعور بأن هزيمة القوات المصرية ونكسة حزيران يونيو 1967م، قد يعقبها النصر.. وفي السودان مخزون من رجال أشداء لا يزالون عرباً مثل: بني أمية وفرساناً مثل: “طلحة بن الزبير” في بدر ومثل “خالد بن الوليد” حينما قاد المسلمين للنصر بعد هزيمة ونكسة (حنين) العارضة، حينما أعجبت المسلمين قوتهم.. وكانت عبقرية “محمد أحمد محجوب” الذي شغلته قضايا الأمة العربية عن مشكلات بلاده، قد جاء بـ”جمال عبد الناصر” إلى السودان وخرجت قبيلة الرزيقات بعشرة آلاف من فرسانها على جهود الجياد التي كانت تصهل الليل وأطراف النهار ويثير غبارها سحباً تحسبها تهطل مطراً على الأرض الطينية الصلبة.. ونظر “جمال عبد الناصر” لحشود الرزيقات وفرسانهم وأشعل سيجارته.. وتنهد وتذكر ماضي العرب وانتصارات العرب ومجد العرب.. ونظر لواقع الهزيمة وتبرير “أحمد سعيد” على إذاعة (صوت العرب).. وعاد “جمال عبد الناصر” من (سبدو) مطمئناً بأن انكسار الجيش المصري يعقبه النصر إن دخل أمثال هؤلاء الفرسان في معارك المواجهة مع إسرائيل.. وبعد إعلان الرئيس مطلوباً في (لاهاي).. حشد الرزيقات أنفسهم في ذات البقعة، وجاءت آلاف الخيول المسرجة وعلى ظهورها الفرسان يمتشقون السلاح في إباء وعنفوان وثقة في النفس، وما أن زغردت الحسان فرحاً بقدوم الرئيس “البشير”.. وتحدث “كاشا” بلسان عربي مبين، إلا وحمل أحد فرسان الرزيقات ويدعى “صديق” سكينه وغرسها في بطنه تعبيراً عن رفضه استدعاء “البشير” في (لاهاي).. و(سبدو) هي بحيرة كبيرة تتجمع فيها مياه الأمطار في فصل الخريف ويظللها العرديب والمهوقني والأبنوس والهبيل، وهي نباتات عطرية أخذت في الانقراض الآن.. ولا تبعد (سبدو) عن مدينة أبو مطارق حاضرة محلية بحر العرب إلا نحو (3) كلم شرقاً.. ويتخذ عرب البقارة الرزيقات من (البحيرة) التي تطوف عليها أنواع نادرة من الطيور مثل: الوز والرهو والحباري.. والصقر (كلدنق).. وتبيت في أطرافها نباتات (الدفرة) (وأبو بصابع) والأرز البري الغني بالفيتامينات، وبسبب الإهمال وعوامل التعرية زحفت حبات الرمل على البحيرة.. وأخذت الأسماك في الانقراض.. إلا أن نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن” يقود جهوداً لإحياء بحيرة (سبدو).. وكانت زيارة الأسبوع الماضي قد شهدت وضع حجر الأساس لمضمار سباق الخيل في منطقة لا تزال تقدس الحصان وتحبه وتتغنى نسائها للفارس الذي يمتطي الحصان، إلا الفتى الذي يقود التوسان والبرادو.. ويقول نائب رئيس الجمهورية وهو يتحدث لأهالي المنطقة : إن الرئيس “عمر البشير” تقديراً منه لبحر العرب، قد وجه بتعمير منطقة (سبدو)، وجعلها بحيرة سياحية يقبل عليها السواح في كل عام من داخل السودان وخارجه، وإن سباقاً سنوياً تتنافس عليه الخيول من كل السودان سيقام في (سبدو) وتخصص له جائزة كبيرة من أجل إحياء ما اندثر من تراث الأمة.
“حسبو” ينتقد الرزيقات
لأن الرجل يحظى بثقة أهله وعشيرته يستطيع توجيه نقد سلوك بعضهم جهراً وعلى رؤوس الأشهاد.. خاصة ما يتصل بتهديد الأمن والتفلتات التي تحدث.. من الأحداث التي حفرت عميقاً في صدر الرجل تعرض منطقة أب جابرة لهجوم من قبل عصابة متمردة نهبت عدداً من السيارات التي تعمل في مشروع محاربة العطش قبل عامين من الآن، وتم بيع السيارات الحكومية في جنوب السودان.. وقال “حسبو” وهو يتحدث لمواطني منطقة (سبدو) تحت ظلال شجرة عرديب وارفة الظلال: إن مسؤولية أبناء المنطقة حماية الشركات التي تعمل في مشروع درء العطش ومشروع تنمية وتعمير منطقة (سبدو)، وحمَّل النائب الرزيقات كامل مسؤولية أرواح ومعدات التنمية، ويتحدث “حسبو” بلا مكبر صوت ولا منصة، بل يتحدث للمواطنين كفاحاً.. ولماذا أخذ البعض يهمهم برفض المعتمد “داوود إبراهيم حامد” وهو ضابط شرطة برتبة عميد. قال “حسبو”: إن هذا المعتمد من أفضل العناصر وأصلبها.. وهو أمين على أموال محلية أبو مطارق، لا تمتد يده للمال العام، وذكر واقعة تخصيص مبلغ (50) ألف جنيه، من مكتب “حسبو” لصيانة سيارة المعتمد. وقال “حسبو”: بعد فترة طويلة سألت المعتمد عن أحوال المحلية، فقال لي: لقد وصلتني (50) ألف جنيه، وهي الآن في خزينة المحلية، انتظر توجيهاتك.. وأعتبر “حسبو” تلك الواقعة دليل على نزاهة المعتمد، لكن أحد قيادات وأعيان المنطقة، قال: هذه الواقعة تعتبر دليل عن سوء تصرف هذا المعتمد الذي لا يعمل إلا بالإشارة.. وفي حديث نائب الرئيس أمام جماهير أبو مطارق، قال: (انتهى عهد الصراعات والحروب والدواس، لكن لدينا عدو أكبر من ذلك هو الجهل والأمية، لذلك أتعهد إليكم بدعم صندوق خاص بالتعليم تساهم فيه الرئاسة والمواطنين والإدارة الأهلية وحكومة الولاية حتى يجد كل تلميذ مقعداً في الدراسة، وتعهد بقيام مدرسة أنموذجية في أم مطارق، وكذلك أنموذجية ثانوية.. وقبل أن يغادر المدينة أدار محرك محطة كهرباء أم مطارق التي تفيض عن حاجة السكان.. مثل: كهرباء الضعين التي تعمل لمدة (24)، ساعة وبها فائض كبير جداً.
وأعلن “حسبو” عن قيادة الدولة لحملة واسعة تستهدف تسليم السلاح الذي بأيادي المواطنين طوعاً.. وفي فترة لاحقة سيتم نزع السلاح بالقوة الجبرية.. وأضاف: إن العربات غير المرخصة ستتم مصادرتها فوراً بعد انتهاء فترة السماح الحالية لتسجيل العربات التي تعرف بـ(بوكو حرام)، وهي سيارات قادمة بدون أوراق من ليبيا وأفريقيا الوسطى.
فصل العمد المتقاعسين
إذا كان الوالي السابق العقيد “الطيب” قد فشل في بسط هيبة الدولة وهو يرتدي البزة العسكرية، فإن “أنس عمر” يمثل جنرالاً، ولكن بثياب مدنية جعل للسلطة هيبة ولكلمتها نفاذ وقوة.. وفي حديثه لجماهير محلية بحر العرب، قال: إن الدولة قررت مواجهة (الكدمول) الذي بات يرمز للتمرد والعصيان وحاملي السلاح.. وهدد “أنس عمر” رجال الإدارة الأهلية بالفصل والإعفاء في حالة تقاعسهم عن أداء واجبهم. وأضاف : أي عمدة يفشل في القبض على حرامي من عشيرته عليه تبليغ الشرطة عن عجزه لتقوم هي بدورها.. وفي حال ثبوت تواطؤ العمدة مع الحرامي والنهَّاب، أو إنه غير قادر أو راغب في القبض على الحرامية، فإن الفصل من منصبه ينتظره.. وقال: لسنا في حاجة لعمد وزعماء إدارة أهلية غير قادرين على تطبيق القانون. وقال “أنس”: إن الرزيقات لديهم (88) عمدة، هذا العدد يجب تقليصه إلى أقل من أربعين عمدة، حتى يؤدون واجبهم.. من جهته قال الناظر “محمود موسى مادبو”: إن الرزيقات نبذوا الحرب ويمدون أياديهم بيضاء لكل الناس، وأعلنوا عصيانهم للشيطان وتمردهم عليه حتى تستقر الولاية.. وطالب ناظر الرزيقات من رعيته بيعته على المحجة البيضاء بنبذ التمرد وبسط الأمن ومحاربة الحرامية (والبلباصين/ على حد تعبيره)، ويعتبر الناظر “محمود موسى مادبو” من الشخصيات القوية التي تحظى بثقة أهلها في الإدارة الأهلية في السودان.
تكريم “أحمد فشاشوية”
الشيخ “أحمد علي الفشاشوية” من قيادات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية الصامتين.. لا يتحدث في المنابر ولا تنشر الصحف صورته مثل بقية القيادات.. لثقة الرئيس فيه وصدقه وعفة لسانه، أسندت إليه مفوضية تقسيم الإيرادات بين المركز والولايات عدلاً.. وينهض “فشاشوية” بأعمال إنسانية تغطي عليها شخصيته التي تمثل أنموذجاً لا وجود لها.. “فشاشوية” يعمِّر مساجد السودان بالمصحف والإضاءة.. ويهتم بنشر المساجد في القرى النائية والفرقان، حيث الجهل ممسكاً بتلابيب المواطنين.. تفتقت عبقرية “الفشاشوية” لمنهج تربوي للحركة الإسلامية من خلال مدارس (تاج الحافظين) التي تخرِّج من ضيق التنظيم إلى سعة المجتمع، وهي تجارب تمازج بين الأصالة والحداثة.. وبفضل توجيهات “حسبو محمد عبد الرحمن” بدأت مدارس (تاج الحافظين) تنثر خبرها في بوادي شرق دارفور.. ولذلك تقديراً وعرفاناً من سكان محلية بحر العرب للشيخ “الفشاشوية” شهد اللقاء الجماهيري بأبي مطارق تكريماً لـ”أحمد علي الفشاشوية” من قبل ناظر عموم الرزيقات وأعيان القبيلة، وهو تكريم لم يحظ قبله إلا الرئيس “عمر البشير” و”عبد الناصر” والملك “فيصل بن عبد العزيز”.

رجال وراء استقرار الضعين
من أبرز الوجوه التي ساهمت في استقرار الأوضاع الحالية بشرق دارفور اللواء شرطة “الرضي علي أحمد” مدير شرطة الولاية الذي ظل لمدة عامين يواجه تعقيدات الأوضاع بالولاية في صمت وشجاعة ورغم شح الإمكانيات إلا أن اللواء “الرضي” وجد الرضا من قبل مواطني شرق دارفور.
ومن قيادات الدولة التي لعبت دوراً بارزاً في استقرار الأوضاع الأمنية العميد أمن “الفاضل” المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات.. وناظر عموم البرقد اللواء شرطة (م) “موسى جالس” عطفاً على ناظر الرزيقات، كان لهؤلاء الأثر البالغ في عبور المنطقة من حقبة الصراع والحرب إلى فضاء الاستقرار الذي تعيشه شرق دارفور حالياً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية