تحقيقات

هل تصبح (قروبات الواتساب) نوعاً من الإدمان مثل المخدرات؟

بروفسور بلدو: العالم الافتراضي متنفس لمن  فشلوا في عالم الواقع
المخدر الرقمي يعد نقلة في إدمان الواقع إلى إدمان  عالم افتراضي
باحثة اجتماعية : الحياة الإسفيرية لايمكن ان تكون بديلاً للحياة الواقعية
تحقيق ــ آمال حسن
 سؤال ربما يتبادر إلى أذهان الكثيرين عند النظر إلى انتشار ظاهرة (القروبات على الواتساب) بصورة غير طبيعية، الإجابة على هذا الاستفسار العريض ربما تكون عبر السؤال. هل إدمان وسائل التواصل بمثابة هروب من عالم الواقع المليء بالإحباطات والضغوط المعيشية إلى عالم الخيال الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي؟. خبراء وباحثون يرون أن هذه الوسائل الحديثة تسبب الاكتئاب لمستخدميه..ظاهرة الهروب الجماعي للناس من عالم الحياة الواقعية إلى الحياة الافتراضية على الأسافير من خلال (الواتساب والفيس بوك)، هل هي ظاهرة مرضية ؟، ما تفسير العلم لهذه الظاهرة ؟ ..وما هو العلاج؟ ما هي الآثار المترتبة على هذه الظاهرة وما ثأثيرها على المجتمع؟.
تحولات في البناء الشخصي
يرى أستاذ الطب والصحة النفسية البروفيسور “علي  بلدو” أن ما يحدث الآن في المجتمع  من تغيرات وتحولات في البناء الشخصي والتركيبة البنيوية للمجتمع السوداني والذي تأثر كثيراً في الآونة الأخيرة بسبب عوامل كثيرة أدت إلى وجود أكثر من عوالم يعيش فيها الإنسان على أكثر من مستوى مما خلق فجوة وصراعات نراها ونسمعها في جرائم مستحدثة ومشاكل أسرية وما شابه ذلك .
ولفت  ” بلدو” إلى ورود العديد من الروافد الثقافية الأجنبية عبر الفضاء المفتوح وسهولة الوصول إلى عالم التكنولوجيا، والعالم الافتراضي بكل مسمياته ووسائطه المعروفة والمتاحة، والتي أصبحت ميسَّرة، وانعكس ذلك على مدى التأثر بالعالم الواقعي الذي نعيشه كل يوم. ويضيف: إن الشعور بالإحباط والغبن وعدم القدرة على تحقيق الذات وأيضاً الرغبة في الإرواء العاطفي والوجداني في موجة من أنواع الجفاف العاطفي انعكس على شغفنا بالدراما الوافدة والمسلسلات والأغاني، كما انعكس على الشعور الدائم بإدمان الوسائط وخلق عالم افتراضي أكثر جمالاً وأكثر سعادة.
مخدر رقمي
ويؤكد “علي بلدو” أن هذا العالم الافتراضي يعتبر متنفساً للعديد من الأشخاص الذين فشلوا في عالم الواقع، بينما نجحوا في العالم الافتراضي خاصة فيما يتعلق بالمشاكل الأسرية والخلافات الزوجية والتي أصبحت عاملاً مهماً من المعاكسات والخلاقات الأسرية والجرائم الأخلاقية والابتزاز والسرقة والتصوير غير المرغوب والخيانة الزوجية والعاطفية بكل مسمياتها، ما أدى إلى انفراط عقد الأسر وحدوث خلافات تؤدي إلى الانفصال أو إلى الطلاق والجرجرة في المحاكم، وكشف الحال. ليس هذا فحسب، بل إن وجود ما يسمى بالمخدر الرقمي أو الافتراضي وهو نوع من أنواع إدمان العالم الافتراضي لا يقل تأثيره عن المخدر العادي، بل يعد نقلة في إدمان الواقع إلى إدمان  عالم افتراضي أو اللا واقع. ويقول “بلدو” : أصبحنا نتعامل مع مدمنين بأنماط جديدة وفئات مختلفة بصورة مختلفة عما ألفناه سابقاً، وهذا ما يضاعف من المشكلة الاجتماعية ويجعلنا نعيش في عوالم متسارعة، يجعلنا نتساءل أي شخص من أي عالم أنت؟ باعتبار العالم الافتراضي الأول وهو عالم المخدر والعالم الافتراضي الثالث هو العالم الرقمي المعروف.
نقلة في التركيبة الذهنية
استشاري علم النفس الدكتور”علي بلدو” قال -خلال حديثه-: إن ما يحدث اليوم هو نقلة نوعية للتركيبة الذهنية للمجتمع، الذي فشل الواقع في إقناعه بسبب الضغوط الاجتماعية والمعيشية. ودفعه دفعاً للجوء إلى عالم الخيال وما شابه ذلك. في العالم الافتراضي يمكن تشبيهه بالتخدير الموضعي، وعمل مسكنات افتراضية يساعد في تخفيف الآلام الواقعية، وشعوره بأن طموحاته غير محققة، والشعور بالدونية والنقص وعدم الإلمام بتفاصيل  كثيرة، أيضاً انعدام الشفافية ومنهج الحوار المجتمعي الواضح، الأمر الذي أدى إلى الفضاء الافتراضي باعتباره مصدراً للمعلومات ومتنفساً لأمور لا تتوفر في العالم الواقعي.
وأشار ” بلدو” إلى أن هذا يجعل الناس يلجأون إلى العوالم الافتراضية بسبب الهروب من الواقع وعدم توفر ضوابط أو معايير تحكم هذا السلوك، وفي ختام إفاداته أرسل دكتور”بلدو” روشتة مجانية للقراء على اعتبار خلق نوع من أنواع الموازنة مابين الواقع والافتراض، وأخذ الإيجابيات من هذه العوالم الافتراضية من أجل تعديل الواقع وجعله أكثر إشراقاً حتى لا يصيبنا الملل والآلام العضوية، والنفسية ومن ثم يؤثر على التحصيل الأكاديمي وحياتنا الأسرية، والدخول في مشاكل قانونية، وأن تكون التكنولوجيا هي مطية ووسيلة وليست غاية، مع ضرورة إفشاء روح السلام والمودة والمحبة وإدارة حوار داخل الأسرة والتعبير عن النفس، والخروج عن الروتين القاتل بالترفيه والموسيقى وما شابه ذلك من أجل خلق بيئة واقعية أكثر اتزاناً وعالم افتراضي أقل جاذبية.
بديل للحياة الواقعية
أوضحت الباحثة الاجتماعية الأستاذة “ثريا إبراهيم الحاج” لـ(المجهر) أنه لو أحسن استخدام هذه الوسائط الإسفيرية فإنها ذات فائدة، لكن بالضرورة أن يكون استخدامها لا يتعارض مع الحياة والأنشطة اليومية، مثل العمل والدراسة والمسؤوليات الأسرية. بمعنى يجب أن يكون استخدامها بدون إدمان وليس لساعات طويلة، لأن بالمخدر الرقمي أو الافتراضي وهو نوع من أنواع إدمان العالم الافتراضي لا يقل تأثيره عن المخدر العادي، بل يعد نقلة في إدمان الواقع إلى إدمان  عالم افتراضي ، فقط يمكن أن تكون إضافة للحياة الواقعية من خلال تفقد أخبار الأهل والأصدقاء، وليس خصماً. بمعنى يمكن أن تتعذر العلاقات الاجتماعية والتواصل، لكن في الزمن الذي لا يتعارض مع الأنشطة الحياتية اليومية والمسؤوليات الأسرية شريطة أن تكون بعيدة من الإدمان، بحيث لا تأخذ حيزاً كبيراً من عدد ساعات اليوم، لأن إدمانها كثيراً ما يتسبب في فقدان العمل، والطلاق، وإهمال الأبناء .
العطالة والعالم الافتراضي
ويرى استشاري الطب النفسي الدكتور “أحمد شريف” أن هنالك من يتهرب من مشاكله، أيِّ كانت إلى العوالم الافتراضية ولا يسعى لحلها واقعياً، فلا يجد بداً سوى اختياره  الهروب إلى المواقع الإسفيرية بحثاً عن السعادة، لكن هذه السعادة قد تكون وهمية. فنجد أنه وفي كثير من الأحيان يهرب الشاب أو الشابة لهذه المواقع نتيجة العطالة عن العمل، فضلاً عن إحساسه بالإحباط. كذلك تهرب الزوجة أو الزوج من المشاكل الزوجية الأسرية فيكون الخيار المتاح أمامها الهروب لهذه المواقع. وأضاف دكتور ” شريف” : في تقديري أن لكل مشكلة حل، لكن هذا الحل لا يتأتى إلا بالطريقة العلمية، واللجوء للمختصين وليس الهروب إلى المواقع الافتراضية. بحيث نجد الأطفال ضحية الإهمال من أسرهم المنشغلين عنهم بهذه المواقع، وقد يكونوا ــ أي الأطفال ــ عرضة للاستخدام السيئ لهذه المواقع.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية