الديوان

ظاهرة الاعتداء على حكام كرة القدم.. الأسباب والمعالجات

الإعلام وأخطاء الحكام ودفاع “المركزية” عنهم وتساهل الاتحاد أدى لتنامي الظاهرة
 الاهتمام بتأهيل قضاة الملاعب وتحسين أجورهم وإعلان العقوبات سيضع حداً لهذه التفلتات 
الخرطوم ـ أبو وائل
نغمة “التحكيم فاشل” التي ظلت مصاحبة لمعظم مباريات الدوري السوداني لكرة القدم في المواسم السابقة كانت بمثابة “جرس إنذار” للوقوف على أسبابها والجلوس لمعالجة السلبيات التي تصاحب أداء الحكام سيما وأن “الهتاف” يعدّ تعبيراً عن “ظلم” لحق بفريق ما نتيجة الأخطاء التي يرتكبها بعض قضاة الملاعب، سواء عن قصد أو غيره، لكن صمت قادة اللجنة المركزية ودفاعهم المستميت عن الحكام تسبب في أن يتحوّل “الهتاف السلمي” إلى محاولات للاعتداء على الحكام ومطاردتهم سواء من قبل اللاعبين أو الإداريين أو من الجماهير التي انتظرت تصحيح الأوضاع لكن انتظارها طال دون أن يتحسن أداء الحكام أو تتم محاسبتهم من قادة اللجنة، الذين ما أن تسنح لهم فرصة الظهور الإعلامي حتى يشرعون في الدفاع المستميت عن أصحاب “الياقات البيضاء” مما ولّد إحساساً بالغبن بدواخل منسوبي الفرق المختلفة.
وعلى الرغم من عدم تأثير بعض أخطاء الحكام على نتائج المباريات إلا أن غياب “المحاسبة” تسبب في فقدان الجمهور للثقة في من يطلق عليهم “قضاة ملاعب”، فقد شهدت بعض المباريات محاولات للاعتداء والتحرش بحكامها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، مباراة مريخ نيالا وهلال كادوقلي التي جرت في حلبة الدوري الممتاز واضطر فيها حكم الجولة إلى تسلق السور للاحتماء بالجماهير بعد مطاردة من لاعبي مريخ نيالا في سابقة لم تحدث من قبل ربما في تاريخ اللعبة، وبالمقابل تسبب الاعتداء الغاشم على حكم مباراة النهضة ربك والدفاع الدمازين التي أقيمت ضمن مباريات الدوري التأهيلي في إلغاء المواجهة قبل أن تكتمل، ليتكرر ذات السيناريو في مباراة الدفاع الدمازين بود مدني.. فما هي أسباب هذه الظاهرة وكيف يتم القضاء عليها؟
{ محاسبة الحكام وردع المعتدين
من بين الأسباب التي أدت لظاهرة الاعتداء على الحكام غياب محاسبة الحكام الذين وقعوا في أخطاء كبيرة قادت للتأثير على نتائج تلك المباريات رغم تأكيدات قادة لجنة مركزية الحكام بتوقيعهم عقوبات على بعض الحكام دون إعلانها، لكن السرية في معاقبة قضاة الملاعب يكون لها أثر في عدم اعتراف الجمهور بها، وتقوده لممارسة “التمرد” بافتعال “الشغب” الذي يتحول أحياناً إلى “اعتداء”، كما أن الإعلام يلعب دوراً مؤثراً في التأثير على الجمهور بتناوله المتكرر لأخطاء الحكام وتصويره لقضاة الملاعب بالمنحازين لطرف دون الأطراف الأخرى.
إضافة لذلك، فإن تساهل الاتحاد السوداني الحالي بقيادة الدكتور “معتصم جعفر” مع المعتدين بسبب خشيته من الإعلام أسهم في تنامي الظاهرة التي أضحت تتكرر بين الفينة والأخرى، ويمكن الاستدلال بالفترة التي جلس خلالها الدكتور “كمال شداد” رئيسا للاتحاد العام والتي شهدت تعاملاً حاسماً مع المعتدين على الحكام، وخير دليل على ذلك معاقبة لاعب المريخ “فاروق جبرة” بالإيقاف لمدة عامين جراء اعتدائه على أحد الحكام وإصرار رئيس الاتحاد على عدم تخفيف العقوبة أو إلغائها رغم الالتماس الذي قدمته جماهير المريخ لرئيس الجمهورية بالتدخل لرفع الإيقاف، وقد رفض “الرئيس” حينها التدخل في قرارات الاتحاد العام بقوله: )شداد هو رئيس الاتحاد العام ونحنا ما بنريّس ونتيّس).
نتيجة لتلك القرارات الرادعة اختفت ظاهرة الاعتداءات على الحكام، ويمكن إضافة عامل آخر تسبب في تنامي تلك الظاهرة وهو عدم وجود الرعاية الكافية للحكام وبالتالي فإن تأهيلهم لا يتم وفقاً لما هو مطلوب، فيظهر الحكم فاقداً للياقة البدنية والذهنية نتيجة عدم تأهيله لضعف ما يتلقاه في الورش المحلية والقومية إضافة إلى ضعف المقابل المادي الذي يتسبب كذلك في عدم ظهور الحكم بالمستوى المطلوب.
{ أخطاء مؤثرة وردود أفعال متباينة
لابد من الاعتراف بأن الأخطاء المصاحبة لأداء الحكام داخل المستطيل الأخضر يمكن وصفها بالعادية ما لم تؤثر على نتائج المباريات، خاصة وأن “الحكام” بشر يخطئون ويصيبون لكن الأخطاء التي تمنح فريقاً حقاً لا يستحقه وتحرم آخر من حق أصيل، يتسبب كل ذلك في حالة الغضب العارم الذي يعد ردة فعل طبيعية نتيجة الإحساس بالظلم، وبالمقابل فإن ردة فعل قادة لجنة التحكيم كان يجب أن تأتي حاسمة بمحاسبة الحكام، لكن ما يصدر من تصريحات من بعضهم ودفاعه المستميت عن المخطئين يقود المظلوم للتعبير عن “الظلم” بطرق مختلفة ربما تصل حد الاعتداء.
{ تحذير من بورسعيد سودانية
الاعتداء على الحكام أمر مرفوض مهما كانت دوافعه، ويمكن توقيع عقوبات القانون الجنائي على المعتدي لكن ذلك لا يقضي على الظاهرة ما لم تتم مناقشة القضية بجوانبها كافة والوقوف على أسبابها حتى لا يؤدي ذلك لـ”بورسعيد” سودانية ويتكرر هنا ما حدث بالشقيقة مصر وأدى لوفاة المئات من الأشخاص على الرغم من أن الرياضة “تسامح”.. لكن ثقتنا في الأطراف ذات الصلة ورغبتها في معالجة الأخطاء يجعلنا أكثر تفاؤلاً بوضع حد لتلك الظاهرة وإلا فإن المستقبل سيكون مظلماً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية