النائب البرلماني القيادي بجماعة "أنصار السنّة" المهندس "مصطفى مكي" في حوار مع (المجهر) (1– 2)
وزير الإرشاد لا يملك صلاحية منع الحديث الديني في الميادين وهو تعدٍ على صلاحيات السلطات المحلية!
الوزير أقحم انتماءه الطائفي.. وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا القرار مستورداً من الخارج!!
جماعة أنصار السنّة جماعة منضبطة وملتزمة بطاعة أولي الأمر لكننا لم نوافق على القرار ولن نوافق!!
* رفضنا القرار لا يعني أننا سنتمرد لكننا سنتبع كل الطرق التي يتيحها القانون والحوار!!
حوار – سوسن يس
ردود فعل كبيرة ومتباينة أثارها القرار الذي أصدره وزير الإرشاد والأوقاف بمنع الحديث الديني في الميادين والطرقات وفي الأسواق، ثم حملت أخبار الساعات الماضية أنباء عن التراجع عنه، فبينما أشاد البعض بقرار المنع ورأوا أنه قد تأخر كثيراً مشيرين إلى أن الحلقات الدينية التي تقام بالأسواق وبالطرقات تعج بالفوضى والتفلت وتتيح لكل شخص الحديث والفتوى في شؤون الدين، هاجمه آخرون ورأوا فيه محاولة للتماهي مع المشروع الأمريكي الذي يهدف إلى محاربة الإسلام المعتدل وإبعاد الدين عن الحياة العامة وحصره في المساجد.. وراجت على خلفية هذا القرار في مواقع التواصل الاجتماعي شائعات تتحدث عن عزم جماعة أنصار السنّة التمرد على القرار وتأديب طوائف دينية أخرى تتهمها الجماعة بأنها تقف وراءه وتحدي الوزير باستخدام (صواريخ اسكوت)، في إشارة إلى سلاح الدعوة، حسب الشائعات التي راجت مواقع التواصل الاجتماعي..
(المجهر السياسي) حاورت القيادي بجماعة أنصار السنّة المحمدية النائب البرلماني الباشمهندس “مصطفى مكي” الذي أكد عدم صحة كثير من الأخبار التي راجت في مواقع التواصل الاجتماعي.. فإلى مضابط الحوار..
{ باشمهندس “مصطفى مكي”.. كيف قرأتم في جماعة أنصار السنّة قرار وزير الإرشاد بحظر الحديث الديني في الطرقات والميادين والأسواق؟
– أريد أن أتكلم عن هذا القرار في ثلاث نقاط.. النقطة الأولى الحلقات نفسها، هذه الحلقات عمرها الآن يفوق الـ(50) عاماً، فمنذ أن بدأها الشيخ “مصطفى أحمد ناجي” نائب الأمين العام لجماعة أنصار السنّة المحمدية، وهو شيخ معروف وكان من الذين لديهم كرسي في الحرم النبوي، وهو الذي أنشأ هذه الحلقات قبل )50) عاماً، طيلة هذه السنوات الحلقات منتشرة ومستمرة ولم تتوقف قط.. وهذه الحلقات ليست عشوائية وإنما تتم بعد الحصول على تصريح يومي ومتجدد من السلطات الأمنية والسلطات المحلية، وأي متحدث فيها وقبل أن يأتي إلى الحلقة يحدد له المكان والزمان ويأخذ تصديقاً رسمياً ثم بعد ذلك يتحدث. هذه الحلقات تستهدف في مجال الدعوة أناساً لا يمكن الوصول إليهم إلا عبرها وهم مرتادو الأسواق ومرتادو دور السينما والاستادات، فهؤلاء جماعة أنصار السنّة تسعى لتوصيل الدعوة إليهم حتى يأتوا إلى المساجد.. نحن نستهدف الشرائح التي لا تأتي إلى المساجد ونصلها في أماكنها سواءً أكان في الأسواق أو في الطرقات أو في دور السينما وفي الاستادات ونستهدفهم بنشر الدعوة بالتي هي أحسن.. أما الذين يأتون إلى المساجد فهؤلاء يحتاجون إلى مزيد من التفقه في الدين.. كذلك هذه الحلقات هي نهج نبوي، نهج الأنبياء والمرسلين.النقطة الثانية بالنسبة لدستورية القرار.. فحسب الدستور الانتقالي لسنة 2005 تعديل 2014 الذي حدد وقسم الصلاحيات بين مستويات الحكم كافة، أعطى المستوى الاتحادي في الوزارات صلاحية وضع الخطط و لموجهات العامة، ووزارة الإرشاد والأوقاف ليس لديها سلطات بإصدار قرارات، وهذه القرارات هي من سلطات المحليات والولايات، لذلك نرى أنه من ناحية قانونية ودستورية هذا الوزير قد أخذ حقاً لا يكفله له الدستور والقانون واعتدى على السلطات المحلية والولائية. كذلك هذا القرار من الناحية الشرعية مخالف للشريعة الإسلامية، فالرسول “صلى الله عليه وسلم” كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويذهب إلى سوق عكاظ ويأتي إلى الحجيج في مواقعهم، ونبي الله نوح دعا الناس ليلاً ونهاراً، سرًا وإعلاناً، فالدعوة الإسلامية ودعوة الرسل والأنبياء لا تتقوقع في مسجد، وإنما هي دعوة للعامة، والرسول “صلى الله عليه وسلم” لم يحصر نفسه في مسجد وإنما ذهب إلى الأسواق والتجمعات.. والجماعة لديها تجربة في استهداف البدو في الخلاء عبر برنامج الداعية الظاعن والداعية “حميد” من محلية النهود من الذين يمتطون جمالهم ويدعون الناس في الطرقات. ثالثاً بالنسبة لوزير أو وزارة الإرشاد، فكما تعلمين أن التشكيل الحكومي الأخير، الحكومة حاولت أن تستوعب فيه مكونات المجتمع السوداني كافة، والمجتمع السوداني مجتمع متنوع، ووزارة الإرشاد والأوقاف طيلة الفترة الفائتة من يعتليها كان لا يفرض وجهة نظره على الناس وإنما يفرض توجهات الدولة، وتوجهات الدولة الآن إسلامية، بمفهوم الإسلام المعتدل، الإسلام الوسطي، الذي تعبر عنه جماعة أنصار السنّة خير تعبير، لكن هذا الأخ الوزير (افتكر أقحم انتماءه الطائفي) في قرارات الوزارة، واستهدف بالقرار الحلقات من هذا المنطلق.. وهذا يخالف المبدأ العام الذي تكونت عليه الحكومة الحالية وهو مبدأ استيعاب مكونات المجتمع السوداني، وأنا أتمنى أن يرجع الوزير لما كان عليه أسلافه في الوزارة من التوازن والنظر للتوجهات الدينية كافة بعدالة وبمساواة، وأن لا يقحم انتماءه في هذا الموضوع.
{ وزير الإرشاد قال في تبريره إن الهدف هو تنظيم الخطاب الدعوي.. فهذه الحلقات تتيح لكل أحد أن يتحدث ويفتي في شؤون الدين؟
– نحن مع تنظيم الخطاب الدعوي، ومع تقنينه، ومع أن يكون هنالك في الدولة برنامج للعمل الدعوي، لكننا لسنا مع المنع.. المنع شيء يخالف الإصلاح ويخالف التنظيم، وهذه الحلقات في ما يلينا كجماعة لم يصدر منها ما يسيء للدعوة أو يسيء لأحد طيلة هذه الخمسين عاماً. وصحيح دخل فيها بعض المتفلتين لكنهم لا يعبرون عن مجمل هذه الحلقات فهم حالات فردية يمكن احتواؤها. كذلك، في القوانين السودانية سواءً أكانت المدنية أو الجنائية ما يكفي إذا كان هناك فرد قد تجاوز القانون أو تخاطب بخطاب مستفز للأمة فيمكن محاكمته وفقاً لهذه القوانين.. وإذا كان هناك تفلت فهذا لا يعني أن تمنع هذه الحلقات، لكن تُضبط.
{ باشمهندس “مصطفى” ألا توافق الوزير على أن هذه الحلقات تتيح الآن لأي شخص أن يجتمع بالناس في الأسواق وفي الميادين ليتحدث إليهم في شؤون الدين ما يعني الفوضى؟
– لا.. (هو ما ح يقدر يجي يخطب إلا بعد الحصول على تصريح)، المسألة ما مفتوحة، لأنه بموجب القانون لا يجوز التجمع إلا بتصريح.. يعني لا يمكن أن تقام هذه الحلقات إلا بتصريح من السلطات المحلية.
{ تعني أنه بالإمكان ضبطها وتنظيمها؟
– ( مش بالإمكان ضبطها.. هي الآن مضبوطة).. الآن هي مضبوطة وليست عشوائية.. المشكلة أن الوزير أفهم الرأي العام وكأنما هذه الحلقات عشوائية، وفي الحقيقة هي ليست كذلك. هذه الحلقات مقننة، يؤخذ إذن مسبق لأية حلقة والإذن يكون فيه الزمان والمكان والشخص المتحدث. وإذا كانت السلطات متحفظة على أي شخص أو على أي مكان يمكن أن لا تمنح هذا التصريح.
{ إذن ما هو الهدف من القرار في تقديرك طالما الأمر كذلك؟
– لا أريد أن أتحدث عن النوايا، لكن مؤكد أن الوزير لم يحالفه التوفيق في هذا القرار، وأن قراءاته خاطئة، وقد يكون نظر إلى هذه الحلقات من زاوية واحدة.. لكن لو نظر إليها وإلى الفائدة التي تحققها نظرة شاملة لما اتخذ مثل هذا القرار.
{ لكن هذه الحلقات تتسبب في مشكلات وانفلاتات عديدة وحسب وزير الإرشاد قد تم رصد (181) بلاغاً جنائياً بسببها وبسبب الفتاوى التي تصدر فيها؟
– البلاغات الجنائية محلها المحاكم، فإذا كان هناك شخص ارتكب مخالفة وفتح فيه بلاغ جنائي، يجب أن يقدم إلى المحكمة.
{ لكن كثرة البلاغات ألا تؤكد أن هناك مشكلة بالفعل تستوجب إصدار مثل هذا القرار؟
– لا علم لي بهذه الإحصائية، لكن هذه الحلقات كما قلت، لها (50) عاماً وتقام بشكل يومي في أنحاء السودان كافة، فإذا كان طيلة هذه الـ(50) عاماً عدد البلاغات (181) بلاغاً فقط فهذا لا يعني شيئاً. ومع ذلك إذا كان هناك بلاغ جنائي تم تدوينه فيجب أن يقدم إلى المحكمة، ولا يؤخذ البريء بجريرة المذنب.
{ أنت عندما تقول إن الحلقات لها (50) عاماً فهل تعني حلقات جماعة أنصار السنّة فقط؟
_ نعم.. الحلقات التي تقيمها جماعة أنصار السنّة في الأسواق والتجمعات العامة.
{ لكن هناك جماعات دينية أخرى على ما يبدو تقيم حلقات في الأسواق والميادين والطرقات.. أليس كذلك؟
– قد يكون هناك جماعات أخرى، لكن أنا أرفض الحساب بالجملة. كل شخص مسؤول عن تصرفاته ولا يمكن أن تحاسب الجماعة بتصرفات آخرين. نحن كجماعة مسؤولون عن تصرفاتنا، ونتحدى أن تكون الحلقات التي نقيمها فيها مخالفة.
{ لكن في الاجتماع الذي حضره ممثل جماعة أنصار السنّة مع الوزير أنتم أمنتم على القرار ووافقتم عليه وقلتم إنكم خاضعون لطاعة أولي الأمر؟
– لا.. أولاً جماعة أنصار السنّة جماعة منضبطة تلتزم بطاعة أولي الأمر، وليست متفلتة.. نحن جماعة غير متفلتة، لكننا لم نوافق على القرار ولن نوافق عليه.
{ ألم توافقوا عليه في اجتماعكم مع الوزير بشكل رسمي؟
– لا بشكل رسمي ولا غير رسمي.. نحن لم نوافق على هذا القرار، لكن عدم موافقتنا لا يعني أننا سنتمرد.. وإنما كل الطرق التي يتيحها القانون ويتيحها الدستور، ويتيحها الحوار سواءً أكان مع الوزير نفسه أو مع الجهات الأخرى، نحن سنتبعها. جماعة أنصار السنّة الانضباط منهجها.. نحن من منهجنا الانضباط وعدم التفلت.. وكما قلت هذه الحلقات أساساً ليست عشوائية وإنما تقام وفقاً لتصاريح وتصاديق.
{ هناك من يرى أن المستهدف الحقيقي بالقرار هي حلقات جماعة أنصار السنّة دون غيرها من الجماعات الدينية؟
– لا أريد أن أحاكم الوزير في نواياه أو بافتراضات.. لكن نحن نرفض القرار جملة ونحن مع تقنين الحلقات.. ولا أستطيع التحدث عن نية الوزير أو أتهم نواياه، كل ما أستطيع قوله إنه جانبه التوفيق في هذا القرار، بغض النظر عن نيته، فالنوايا يعلم بها الله تعالى.
{ قراءات بعض السياسيين للقرار قالت إن هدفه التماهي مع المشروع الأمريكي في محاربة الإسلام باسم مكافحة الإرهاب.. كيف تنظرون إلى هذه القراءة؟
– طبعاً أخشى ما أخشاه أن تكون لهذا القرار أبعاد خارجية.. أو هكذا يقرأ، أن هناك هجمة على كل إسلام فاعل، وهناك من يريد أن يحصر الإسلام في المساجد ويحصره في العبادات، هذا طبعاً يتنافى مع أهدافنا.. هدفنا نحن في الجماعة أن يعبد الله وحده وأن يكون الإسلام نهج حياة.. (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).. فالإنسان المسلم والمؤمن كل حياته لله ولا تنحصر في المسجد.. فأنا أخشى.. وأتمنى في ذات الوقت أن لا تكون لهذا القرار أبعاد أو ضغوط خارجية، أو يكون مستورداً من الخارج ويريد أن يحصر الإسلام في المساجد ويبعده عن الحياة العامة.