(العصرية ) أهم أوقات تجمع والتقاء الأسرة السودانية
وسائل التواصل الحديثة تتسبب في ضياعه
المجهر – هبة محمود
في العصرية شفع جارية لي ألعابه
والشاي في المغيرب ذكريات وصبابة
أيام بعيدة
ذهب محمد بخياله بعيداً، مسترجعاً مشهد الشمس وهي تحزم أمتعتها إيذاناً بالرحيل، بينما يظل يركض هو وأقرانه في محاولة منهم للاستحواذ على الكرة وإحراز هدف في مرمى فريقهم الخصم، وسط جو من التصفيق الحار والهتاف من مشجعي الحي الذين التفوا حول الميدان الذي يقع قبالة منزلهم، وعلى مقربة من الباب يجلس جده يرقبهم بعين لاحظة وبأخرى يرقب مجيء بائع اللبن.
ذكريات ومشاهد أعادت “محمد” إلى أيام بعيدة وتحديداً وقت العصرية التي ارتبطت في ذهنه بعبق خاص، ويبدي حسرته عليها بعد أن حرمته ارتباطات العمل من الاستمتاع بهذه الفترة التي طالما شكلت كثيراً من وجدانه في فترة من فترات حياته، سيما أنها كانت وقتاً لتجاذب أطراف الحديث مع أفراد أسرته حول مائدة الغداء والوقوف على أهم ملامح يومهم، قبل أن ينفض مجلس الأسرة ويذهب والده للاسترخاء بعد تناوله وجبة الغداء بينما تمددت والدته في انتظار بائع اللبن.
انشغال الأسرة
ورغم أن (وقت العصرية) يعتبر وقت الاسترخاء والقيلولة وراحة الجسد والبال من عناء يوم طويل، إلا أن كثير منا يعاوده الحنين إلى الاستمتاع بتفاصيلها، مثل (محمد)، ونظل نسترجع مشاهدها التي ارتبطت في أذهاننا بصينية الغداء وتناول التحلية التي تعقبها صينية شاي العصر، ورش الحوش والشارع معاً….الخ، من مشاهد، أصبح عصياً الاستمتاع بتفاصيلها، بسبب تغير الوقت والتطور التكنولوجي وكثرة الارتباطات وانشغال أفراد الأسرة، وهذه الفترة تمثل للطالبة (نهي علي) التي استرجعت مع (المجهر) تلك اللحظات التي وصفتها بلمة الناس الحنان، في وقت العصرية الممزوجة بريحه قلية البن التي تشرف عليه جدتها، وهي تشعل بجوارها (بخور التيمان) بينما يداعب جدها أحفاده الصغار، تقول “نهى”: تلك اللحظات ناهيك عن أنها صلة رحم، إلا أننا كنا نغذي بها رابطة دمنا ونقوي بها أواصر العلائق فيما بيننا، وتضيف: كنا نتعرف علي هموم ومشاكل بعضنا ونتفاكر لتذليل الصعاب وحلها، ولكن يا حليل الزمن ده فقد اندثر وأصبح ما في وكل زول مشغول بي حالو.
سرعة الإيقاع
وبحسرة امتزجت بحنين لأوقات خلت، تمنت “عبير الأمير” (موظفة) لو أنها استرجعت أوقات الاستمتاع بفترة العصر ولمة الأهل والتفاكر في أحوال البعض وتفقدها، إلا أن تغير الزمن وغزو وسائل التكنولوجيا سلبتها الاستمتاع بهذه الفترة الغائبة من يومها بحد قولها، و أعربت عن أسفها لسرعة الإيقاع الزمني الذي جعل كل شخص مشغول بضرورة إنهاء أعماله.
أما “شادية محمد إبراهيم” (ربة منزل) فقد أبدت أسفها علي أوقات امتزجت بحنين ولمة الأهل في ساعة العصرية مشيرة إلي اختلاف الأزمنة التي جعلت كل شخص منشغل بأحواله، ولفتت ألي أن الونسة في ذلك الوقت كانت ذات نكهة خاصة والجميع متحلقين حول مائدة الغداء، أما ألان فكل زول اخل بي موبايل بحد تعبيرها.
أسباب ضياع فترة مهمة
الباحثة الاجتماعية “ثريا إبراهيم” أرجعت في حديثها (للمجهر) إلى أن كثرة الحراك والتكنولوجيا وخروج المرأة إلى العمل كلها عوامل أدت لضياع هذه الفترة الهامة من الوقت، مشيرة إلى أنها فترة مهمة للاستجمام والراحة والتقاء الأسرة والتفاكر في أحوال بعضهم لا بد منها، وقالت: لابد للأسرة من خلق جو اجتماعي والجلوس مع بعضها بصورة يومية أو يوم بعد يوم على الأقل بدلاً من التواصل الاسفيري، وأضافت وقت العصر تنبع أهميته من كونه وقت التقاء لمعرفة أخبار بعضنا ونبعد عن وسائل التواصل الاجتماعي لان الحوار بين أفراد الأسرة مهم حتى لا يصابوا بالخرس الأسري.