جلسة القهوة على الطريقة الحبشية.. عادات وطقوس متوارثة
من مراسم استقبال الضيوف
قوندار – عامر باشاب
{ ما أن تقوم بزيارة إلى المدن والقرى في دولة أثيوبيا، لابد أن يتم استقبالك بـ(مراسم شعبية) جلسة شرب القهوة على الطريقة والطقوس الحبشية، ومجرد أن تصل إلى هناك وبعد أن تتلقى كل أنواع التحايا والترحاب، تقدم لك الدعوة لشرب القهوة (بونا تاتو) ،وصندوق القهوة الخشبي بشكله المميز، دائماً ما يوجد بصورة أساسية داخل البيوت والفنادق والمنتجعات والكافيتريات والمطاعم السياحية والشعبية، وفي الشوارع والأزقة والأندية والملاهي الليلية.
الحشائش الخضراء والتزام الصمت
{ السيد “هايلي يسوس” مدير إدارة العلاقات العامة بوزارة السياحة، بمقاطعة الأمهرا، أكد لنا بأن القهوة عندهم في أثيوبيا تسمى (البونا) أو الـ(جابانا)، وشربها يعتبر ثقافة متوارثة منذ القدم وتقليداً يومياً لكل الأسر الأثيوبية بمختلف قومياتهم، وتبدأ طقوسها منذ الصباح الباكر، حيث يتحلق أفراد الأسرة حول صندوق (الجابانا) الذي ترص عليه الفناجين بطريقة منظمة، ولابد أن تكون الجلسة في ساحة ذات خضرة طبيعية، وفي العدم يتم نثر بعض الحشائش الخضراء حول المكان، ومن التقاليد المهمة لابد أن يلزم الجميع أماكنهم دون تحرك كما يلزمون الصمت، إلى أن يتم إعداد القهوة، وبعدها تبدأ المؤانسة والمسامرة ومناقشة الشؤون الأسرية وغيرها ،إلى أن تنتهي الجلسة ،ويتفرق الجميع على أمل اللقاء في جلسة مماثلة.
الاستعداد وطريقة التحضير
{ الشابة “مريام” التي تعمل بفندق (جانتيكيل) بمدينة “قوندار” قامت بتحضير القهوة لوفد القافلة السياحية الثقافية السودانية على صندوق خشبي ،أخذ شكل إحدى القلاع التاريخية الأثرية التي اشتهرت بها مدينة “قوندار مريام”، شرحت لنا طريقة تحضيرها للقهوة أو (الجابانا)، وذكرت بأن إعدادها يمر بعدة مراحل تبدأ بتهيئة المكان وتجهيز أواني (الجابانا) وإطلاق البخور لتعطير الجو وتعديل المزاج، ويحضر الفشار والقمح المحمص، ويسمى (قلو)، ومن ثم الشروع في تسخين الماء على نار الفحم في إبريق خاص، أيضاً مصنوع من الفخار يسمى (جبنة)، وفي ذات الأثناء يوضع البن على إناء محلي مصنوع من الطين (الفخار) لقليه على نار الفحم بحرص شديد حتى لا يتفحم البن، ويفقد طعمه وأثناء قلي البن لابد من تمريره على كل الموجودين في جلسة لشم رائحته الذكية البن، وعندما يتحول البن إلى لون بني غامق يتم سحنه يدوياً، ومن ثم يوضع بكمية مناسبة على الماء الساخن داخل الـ(جبنة)، ويوضع مرة أخرى على النار ليغلي، وبعد ذلك تصب (البونة) في الفناجين وتقدم للحاضرين مرة واتنين وثلاثة.
أوقات للراحة والاستجمام
{ أما العم “تكالا وين دفردا” من قدامى المحاربين الأثيوبيين ،شارك في الحرب ضد المستعمر (الطليان)، وجدناه في منطقة مرتفعات (ليما ليمو)، وفي حديثه لنا قال هناك بعض الأثيوبيين يفضلون تحضير مشروب من الشعير يسمى (تلة) لاحتسائه أثناء إعداد البونا (الجبنة)، بالإضافة لخبز أنواع من المعجنات تسمى (حمباشا) لتناولها مع (البونة)، ومن الأوقات التي يشرب فيها الأثيوبيون القهوة، بالإضافة إلى الصباح وقت الظهيرة وفي العصر وفي المساء، وهذه الجلسات تعتبر من أوقات الراحة والاستجمام للمزارعين والجنود والعمال وغيرهم.
{ وتبقى جلسة (الجابانا) أو (البونة) واحدة من الملامح الثقافية والتراثية العتيقة التي يحرص الأثيوبيون على المحافظة عليها كتقليد شعبي متوارث.