وين كشك الجرايد ؟!
{ لمن كنا طلبة ندرس القانون بجامعة القاهرة فرع الخرطوم – طيبة الذكر – درسنا نظرية في القانون معيبة ومنتقدة تسمى “نظرية إعمال السيادة”، ويبدو أنها نظرية عفا عليها الزمن لأنها مأخوذة من القانون الروماني القديم، غير أن بعض آثارها تظهر في القوانين المعاصرة هنا وهناك. وسبب النقد الموجه لتلك النظرية أنها تهدم العديد من القوانين التي تنشد العدالة، إذ نجد أن بنداً يعطي الرجل الأول الحق في اتخاذ ما يراه مناسباً أو تعطيه حق إلغاء الحكم أو تعديله، المهم هذا البند ينسف قانوناً جاءت متونه لتحقيق العدالة المطلقة. ولم يركز المشرع في كل الأحوال السلطات عند التنفيذي الأول، لذا قلما نجد في التشريعات المعاصرة من يحتفي أو يؤيد نظرية إعمال السيادة.
{ اتذكرت أيام الدراسة وأستاذنا “العطافي” كان حكواتي يحكي لنا بلغة مرحة وسلسة وكان من أهل الصعيد يحب السودان والسودانيين، (عارفين يا ولاد المصيبة اللي وقعت في رأس عمكم مسيو فرانسو).
الراجل قاعد مبسوط أربعة وعشرين قيراط يدخن في كدوسو وحاطط فنجان قهوة في ضاحية من ضواحي “باريس”.
والرجال الزباين عندو زي الرز يشترو الجرايد والكتب والمجلات.. يجيلو المحضر شايل قرار من البلدية، قال إيه؟! قالو عايزين يوسعو الشارع متر ولسوء حظ المسيو لازم يكسرو نص مترك من كشك الجرايد.. وجماعة البلدية كتبوا في قرارهم حنديلك متر ونص ونبنيلك الكشك آخر حلاوة ونديلك قرشين حلوين.. حلو الكلام؟!
{ الخواجة شخط فيهم وآل: لا مش حلو الكلام؟! ومش حتكسروا الكشك!! رد المسؤول: إزاي يا خواجة ده قرار من سلطات بلدية والقرار عشان المصلحة العامة!!
{ الخواجة رد: الكشك ده عمرو أكتر من متين سنة يعني بقي آثار من آثار فرنسا ومحمي بواسطة منظمة الأمم المتحدة.. المهم البلدية ركبت راسا وشالت المتر إلا ربع وجابت مهندسين يبنوا الكشك ويعوضو صاحبو المتر والنص ومبلغ التعويض المحترم..
المهم ما أطول عليكم سيد الكشك رفع قضية المحكمة حكمت للبلدية: استأنف الخواجة أمام محكمة مجلس الدولة.. حكمت لصالح الخواجة وألغت حكم محكمة الموضوع.. استأنفت البلدية أمام المحكمة الدستورية أعلى سلطة قضائية وحكمها نهائي لا يجوز استئنافه، قضت بصحة قرار محكمة مجلس الدولة وحكمت لصالح صاحب الكشك وهللت الصحف للعدالة.
وبنت البلدية الكشك بواسطة خبراء آثار ودفعت التعويض المجزي الذي طالب به صاحب الكشك في عريضة الاستئناف. والذي يزور تلك الضاحية بباريس يلاحظ الكشك موضوع القضية وبارز بوضوح في الشارع العام الذي وسعته البلدية.
{ القصة اتذكرتها هذا الصباح مشيت أشتري جريدة لقيت الكشك مافي!! سألت، قالوا أزالتو السلطات!! طبعاً الدفع الموضوعي للإزالة جمال المدينة والحرص على المظهر العام والنظام العام.. كلام زي العسل. بس يكون كلام زي العسل واللبن والطحنية إذا رتب واضع قرار الإزالة أوضاع المتضررين من القرار لتستمر دورة الحياة اليومية لديهم “ولا ضرر ولا ضرار” وهذه قاعدة قانونية قديمة وراسخة.
التيجاني حاج موسى