خربشات الجمعة
المشاهدون الأعزاء.. السلام عليكم.. تفاصيل أخبار نشرة العاشرة مساءً من تلفزيون جمهورية السودان.. أعلنت المفوضية العامة للانتخابات عن فوز مرشح حزب المؤتمر الوطني “إلياس تسفاي” بمنصب والي الخرطوم بعد حصوله على خمسة ملايين صوت وحصول منافسه “عمر سيد أحمد” على مليون صوت.. وبذلك يؤدي “إلياس تسفاي” القسم على الإنجيل يوم (الثلاثاء) القادم أمام رئيس الجمهورية والياً على الخرطوم.. وفور إعلان الفوز رحب إمام وخطيب مسجد أم درمان الكبير بالخيار الديمقراطي عادّاً فوز مسيحي من طائفة الأرثوذكس بمنصب الوالي تعبيراً عن تنوع العاصمة الخرطوم، وتعدد المجتمع السوداني وانتصاراً لقيم الديمقراطية في دولة إسلامية عصرية.
من جهته قال “إلياس تسفاي” الذي ينحدر من أب إثيوبي هاجر للسودان في القرن الماضي وأم إغريقية (يونانية)، وولد في حي الديوم الشرقية بالخرطوم وحصل على درجة الدكتوراه في الإدارة من جامعة كردفان.. ومتزوج من “أستا داوود” من جبال النوبة، قال إن انتخابه والياً على الخرطوم يمثل تعبيراً صادقاً عن احترام التعدد والتنوع، وإن السودان قد وضع وراء ظهره سنوات من التباهي الإثني والقبلي والعنصرية والجهوية والتمييز، الشيء الذي كلفه خسارة ثلث أرضه بانفصال الجنوب واشتعال حروب في الأطراف بجبال النوبة، ودارفور قبل أن يتخذ الرئيس الأسبق “عمر البشير” قراراً تاريخياً بوقف الحرب وإبرام تسوية مع المتمردين السابقين أكسبت حزب المؤتمر الوطني الذي ننتمي إليه- والحديث لـ”إلياس تسفاي”- احتراماً وتقديراً وشعبية كبيرة وسط قطاعات عريضة من المواطنين.. ومضى “إلياس” في حديثه قائلاً: (إرادة الناخبين وضعتني أمام مسؤولية تاريخية في إدارة ولاية الخرطوم التي تتشكل من (90%) من المسلمين و(10%) مسيحيين ولا دينيين، وحينما ذهب المواطنون لصناديق الاقتراع لم ينظروا لدين “إلياس تسفاي” ولا أصوله الإثنية، ولكنهم نظروا للبرنامج السياسي الذي طرحه حزبه والمؤهلات الشخصية.. أنا فخور جداً بهذا الوطن وهذا الشعب وبوسطية الإسلام في السودان).
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن السودان تجاوز ماضيه بكل تبعاته، وقدم اليوم نموذجاً يجب أن يحتذى في كثير من البلدان التي لا تزال تهضم حقوق الأقليات الدينية والعرقية.. وأكدت الخارجية الأمريكية أن التعاون مع الخرطوم مستمر في كل المجالات بعد تجاوز سنوات القطيعة.. فيما قال زعيم التيار السلفي في السودان إن الخيار الديمقراطي يجب أن يحترم، وإن وجود والٍ “مسيحي” لا يعني النكوص عن تطبيق الشريعة الإسلامية ولا التساهل أو التفريط.. وعبرت قطاعات واسعة من المواطنين عن تفاؤلها بنجاح الوالي المنتخب.
(2)
هل يصبح مثل هذا الخبر حقيقة في يوماً ما..؟؟ أم هي أحلام بعيدة عن الواقع؟؟ وفي كل يوم يتقدم الغرب على الشرق سنوات ضوئية.. وفي مناخ الهجوم على الإسلاميين وبروز تنظيم الدولة الإسلامية وتعدي بعض المحسوبين على المسلمين في فرنسا وبلجيكا على حدود غيرهم.. وقتل الأبرياء في حوادث تفجير دموية أثارت مشاعر الملايين وامتحنت الضمير المسلم.. وقد بعثت تلك الأحداث كردة فعل التيارات القومية الأوروبية العنصرية بعد أن ضعفت ووهنت، ولكن حوادث القتل والتفجير عمدت إلى إحيائها من جديد.. في هذا المناخ تنتخب الإمبراطورية التي غابت شمسها هنا مسلماً من أصول باكستانية “صادق خان” عمدة لمدينة لندن، ومنصب العمدة يماثل منصب الوالي عندنا مع اختلافات كبيرة في السلطات والصلاحيات، فالمسؤولون في الغرب تقيدهم قيم أخلاقية وقوانين ولوائح ودساتير تجعلهم خداماً لشعوبهم، بينما هنا الوالي فوق المحاسبة والمساءلة.. ولا مجالس تشريعية تستطيع أن تقول لا للوالي الذي هو حاكم (فينا) بينما في الغرب الحاكم (من) الشعب.
عمدة لندن المسلم “صادق خان” خاضع للقانون والمحاسبة، وعمدة زالنجي غير خاضع إلا لمحاسبة رئيس الجمهورية.. في كل يوم الدول الغربية تتقدم على الدول الشرقية.. حينما انتخبت الولايات المتحدة الأمريكية رئيسها الحالي “باراك أوباما” ذي الأصول الكينية لم تنتخبه لبراعته في الخطابة.. ولا لسحر بيانه.. ولا لنفوذه في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أمريكا انتخبت رمزية.. وانتخبت عهداً جديداً.. ووضعت وراء ظهرها حقبة سوداء من تاريخها.. طغى فيها تمييز الأبيض على الأسود.. والمهاجر على ذي الأصول القديمة.. واليوم تقول بريطانيا للعالم أجمع ولشركائها الأوروبيين إنها تقدم مسلماً محافظاً أصوله من باكستان، وهي على ثقة بأن أمثال “صادق خان” يستطيعون تقديم رؤية عن الشراكة الإنسانية.. لم ينظر كثير من المسلمين وخاصة المتهافتين سراعاً في وصف ما حدث بأنه انتصار عظيم وفتح للإسلام بديار الكفر.. وتلك رؤية هلوعة سطحية لم تقرأ أو تتأمل أو تتفكر في ما وراء الواقعة من عمق الرسالة ووقعها على مليارات المسلمين في بقاع الأرض.. قالت بريطانيا بانتخابات “صادق خان” إنها مع حرية الأديان.. إنها دولة ديمقراطية تعددية لا ينظر الشعب البريطاني لديانة بعضه البعض ولا ألوان سحنته.. وبريطانيا التي كان سكان و(يلز) في العصور الماضية يعدّون أنفسهم أصل الإنجليز ويباهي الاسكتلنديون بأصولهم المغروزة في تربة المملكة التي تتكون من اتحاد ثلاث جمهوريات، لذلك عرفت بالأسود الثلاثة ذلك الشعار الأنيق الذي يزين صدور لاعبي المنتخب الإنجليزي، الذي بات مزيجاً من الزنوج والأوروبيين والآسيويين والأمريكيين الجنوبيين.
(3)
في السودان لا يزال البعض يعدّ ويعتقد ويؤمن بأن الشخص الذي تمتد جذوره إلى دولة تركيا لا يحق له قيادة محلية أبو قوتة.. وإن الطبيب الذي تخرج في جامعة الخرطوم لكن جده لأمه من تشاد غير مؤهل لمنصب وكيل وزارة الصحة.. ويباهي البعض بأصوله التي تمتد للجزيرة العربية ويدعي معظم السودانيين انتساباً للقرشيين و”بني هاشم” وإن الرسول “صلى الله عليه وسلم” هو جدهم و”علي ابن أبي طالب” هو خالهم.. ولم نجد سودانياً واحداً ينسب إلى “أبو لهب” ولا زوجته حمالة الحطب ولا حتى يدعي وصلاً بالمهاجرين من غير القرشيين.. ومظاهر الجاهلية في التربية السودانية تجعل من أصحاب البشرة السوداء (عبيداً) وأصحاب البشرة البيضاء (حلباً) مع أن اللون الأسود هو أصل البشرية.. ولكن متى نفهم رسالة البريطانيين بانتخاب “صادق خان” بوجهها الحقيقي ونستوعب الدرس من أجل بناء وطن شامخ وطن عاتي وطن خير ديمقراطي.
(4)
(الموية عطشانة) عنوان مثير وعجيب لديوان الشاعر الغنائي “محجوب الحاج” أحد شعراء بلادي الذين جملوا الدنيا بحلو النغم وعمق الفكرة وجزالة التعبير.. الديوان الذي صدر عام 2006م عن “دار عزة للطباعة والنشر” يعدّ تحفة جمالية لشعر شاعر عاش الحرمان.. والحب.. ونثر إبداعه في المكتبة الإذاعية، ولو كانت إذاعة (هنا أم درمان) تحتفي بفلذات كبدها لكان “محجوب الحاج” أولهم، و”محجوب سراج” ثانيهم.. من ورائع “محجوب” التي تغنى بها المطرب الكبير “حمد الريح” (نسمة العز)، التي تقترب من الشعر العاطفي ومن الشعر الوطني.
نسمة العز يا سماحة طوفي بي الخير في سياحة
زوري الشقي المالاقي راحة ورشي الفرح في كل ساحة..
انظر إلى (رش) الفرح في الساحات ولم يقل انثري الفرح..
جففي العرق المعطر توب جبين بلد الغلابة
وطلي يا شمس السعادة في ديار شاخت حزن
واتكسحت من طول عذابا
قابعة في مدن الأسى
وأصلوا الفرح ما دق بابا
بي عيونك فرحيها
ومن جمالك جميلها
خليها ترجع للشباب
يا لها من عبقرية مورقة ونبض حي وإنسان شفاف.. وشاعر لن تجود الساحة بمثله قريباً.. وكل جمعة والجميع بخير.