رأي

بعد.. ومسافة

حرية الصحافة.. والأضرار المتوهمة!
مصطفى أبو العزائم
 
مفهوم الحرية لدى الشعوب، هو مفهوم واحد يرتبط بحرية المعتقد والقول والرأي والسلوك المقيد بقيم المجتمع.. والمجتمعات تختلف عن بعضها البعض، فالشرق شرق والغرب غرب.. ولن يلتقيا أبداً، لذلك تختلف النظرة للحرية من دين إلى آخر، أو من مجتمع إلى مجتمع– كبر أو صغر– وحتى في المجتمعات التي تتفق على مفهوم معين للحرية، نجد أن هناك دائماً اختلافاً ما بين ذلك المفهوم كنظرية أو قيمة، وبين الممارسة كتطبيق، لكن هناك شبه اتفاق في كل المجتمعات على مفهومين للحرية، الأول هو بريطاني يرى أن الحرية هي تفلت من القيود، والثاني عام هو أن الحرية تأكيد على التزام الفرد والمجتمع بالواجب.
الأنظمة الحاكمة دائماً ما تضع ما يسمى بالخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها في مجال الحريات الصحفية، وكثير من هذه الخطوط قد لا تكون مرئية، لكن الحكومة تستخدمها (عند اللزوم) وفق تقديراتها الخاصة، التي قد تختلف مع تقديرات الصحيفة أو أصحاب الآراء المنشورة.
(الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا) هي ليست عبارة ضيقة المعنى، محدودة المساحة، هي عبارة أطلقها الشاعر الإنجليزي “روديار كبلنغ” في أواخر القرن التاسع عشر، معبراً فيها عن رأيه في حالة التعارض والاختلاف بين مجتمعات مختلفة.. العبارة أيضاً يمكن لنا أن نفسرها تفسيراً آخر دون أن نخرجها عن سياقها الذي أراده قائلها.. فالشرق شرق والغرب غرب يمكن أن تمثل حالة الاختلاف البائن في تقدير وتفسير المواقف بين السلطة والصحافة، وقد تدعي أي من الاثنتين أنها المعبّر الحقيقي عن الإرادة الشعبية. وهذا  قد يكون صحيحاً إلى حد ما لدى كل من السلطة أو الصحافة، لكنه لن يكون صحيحاً على إطلاقه.
نحن الصحفيين في السودان نريد حرية غير محدودة، ومطلقة، يلجأ كل متضرر منها إلى القضاء الحر النزيه، بينما الحكومة ترى أنها هي القيّم الحقيقي على مصالح الدولة والشعب، لذلك تقول إنها مع الحرية غير المطلقة، حريات تقيدها القوانين ومواثيق الشرف الصحفي، وتقديرات القيادات العليا في الدولة وفق منظور المصلحة الوطنية العليا، خاصة إذا ما اتصل الأمر بالعلاقات الخارجية، أو اتصل بالأمن الوطني والجيش، وأي خطوط حمراء تضعها السلطة (فجأة) على مائدة القياس.
الحكومة تريد من الصحافة أن تعبّر عنها وأن تنقل أنشطتها المختلفة، وألا توجه نقداً غير مبني على حقائق أو معلومات صحيحة ضد أي من مؤسساتها، والمواطن يريد من الصحافة أن تعبّر عنه، وكل مواطن من عموم المواطنين وقراء الصحف يريد أن يرى نفسه في الصحيفة، بحيث تعبّر عن تطلعاته وآرائه وأن تبث شكواه وتظلمه، بينما الصحفي يريد لصحيفته أن تعبّر عن حركة المجتمع كله.
نعم.. الصحافة الحرة هي التي تعبّر عن حركة المجتمع كله دون خوف من عقوبة بالمصادرة أو الإغلاق أو المطاردة، وهي مطلوبة وضرورية للمجتمع بأكمله، وأوله الحكومة نفسها التي يجب أن تقبل ممن يحاول إهداءها عيوبها.. رغم أنها قد ترى في ذلك تفلتاً وتجاوزاً للحدود.
الصحافة الحرة هي التي يمكن أن تكتب تاريخ الشعوب، لأنها أعظم مرجع للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفنية، من خلال نشر الأخبار والتعليقات والتقارير والآراء.
والحكومات الحرة تعمل دائماً من أجل أن تكون صحافتها حرة تنقل لها تفاصيل ما لا تراه عين الحكومة، وتلمس مواضع الجراح ومواطنها في جسد الدولة.. ولكن كما قال “كبلنغ” فإن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية