تحقيقات

(المجهر) تتقصى عن أسباب انهيار مشروع الجزيرة وفرص إنقاذ العملاق!!

 (لجنة بروف عبد الله) ترصد مخالفات.. وهؤلاء مسؤولون عن تصفية وبيع سكك حديد المشروع كخردة..!
التدخلات السياسية غير المدروسة وراء ما يعاني منه المشروع اليوم
كشف سرقات منظمة لآليات المشروع.. ومئات البلاغات معلقة و(3500) عامل يتشردون!
تقرير رسمي: قانون 2005م تمت صياغته بصورة جعلته حمال أوجه ولكن..
  تحقيق – زهر حسين
في تحقيق ميداني جرئي (المجهر) وقفت على واقع حال مشروع الجزيرة والمناقل خلال زيارة ميدانية.. وتقصت عن أسباب الانهيار، واستفسرت عن أوجه القصور، وأين ذهبت البعض من آليات وأثاث المشروع؟.. وهل صحيح أنها بيعت كخردة؟، ومن يتحمل مسؤولية الترديء والتراجع.. وهل تنجح جهود إعادة العملاق إلى ماضيه في عهد الانجليز، وماذا يقول لسان حال المزارعين.. وأسئلة واستفسارات أخرى تدور في مخيلة المشفقين على المشروع؟!.. عبر حلقتين تجدون حقائق مثيرة ومعلومات في غاية الأهمية إليكم الجزء الأول من التحقيق. 
(202) مليون فدان امتداد مساحة المشروع
يمتد مشروع الجزيرة في مساحة (202) مليون فدان وهو عبارة عن مزرعة واحدة كبيرة – وبدأت تجارب زراعة القطن بالجزيرة في منطقة (طيبة)، وكان ذلك في عام (1910 – 1911م) يروى بواسطة الطلمبات بالنيل الأزرق، وعندما نجحت زراعة القطن في الجزيرة طلبت الشركة قرضاً من الحكومة البريطانية في حدود (3) ملايين جنيه مصري.
وبعرض الموضوع على مجلس العموم البريطاني عام 1913م تقدم اللورد “كتشنر” المندوب السياسي البريطاني بالاعتراض عليه، وذكر إذا تحصلت الشركة على ذلك القرض، فإنه سوف يكون لها نفوذ اقتصادي وسياسي في السودان، كما حصل في (روديسيا) لذلك اقترح أن يمنح القرض لحكومة السودان، وتم ذلك بالفعل وبلغت أرباح المزارعين والحكومة (400.000) جنيه إسترليني لكل منهما، وكانت دعماً قوياً للحكومة بعد الانتهاء من (خزان سنار).
كانت الشراكة في عمل المشروع كالتالي توفر حكومة السودان الأرض ومياه الري، وتوفر الشركة التمويل لكل عمليات الفلاحة والتسوق وتقوم بأعمال الإدارة، يوزع عائد القطن مناصفة بين الحكومة والشركة، وتطورت هذه الشراكة بعد الاستقلال وحتى عام 1981م، حيث تم إلغاء الشراكة والاستعانة عنها بالحساب الفردي حتى عام 2009م.
تاريخ مشروع الجزيرة ..
أقيمت لجان متعددة لبحث إصلاح مشروع الجزيرة أهمها (مشروع الجزيرة الحالة الراهنة وكيفية الإصلاح).
 برئاسة بروفيسور “عبد الله عبد السلام أحمد” وعضوية  دكتور “أحمد محمد آدم” ودكتور “عمر عبد الوهاب” وبروفيسور “مأمون ضو البيت” في يوليو 2009م – أي بعد تطبيق قانون 2005م بأربع سنوات لبحث تطبيق قانون 2005م.
النظام الإداري لمشروع الجزيرة كان مضرب المثل في الانضباط والدقة، حيث توفرت له الآليات المحكمة ووسائل الاتصال السريع التي بدورها وفرت المعلومة في رئاسة المشروع من كافة أطراف المشروع مما ساعد على سرعة اتخاذ القرار السليم والمتابعة اللصيقة، فالمشروع كان يدار من خلال نظام إداري يبدأ من الرئاسة (بركات)، حيث قيادة المشروع وعلى رأسها المحافظ ثم الأقسام ولكل قسم مدير وكادر قيادي في مختلف التخصصات.
إدارات المشروع ..
 حسب تقرير بروفيسور “عبد الله” فإن إدارة مشروع الجزيرة تنقسم إلى أربع إدارات رئيسية هي الإدارة الزراعية – الإدارة الهندسية – الإدارة المالية – وإدارة الشؤون الإدارية، يوجد بالمشروع (18) قسماً على رأس كل قسم مدير و(114) مكتب تفتيش يديره باشمهندس يساعده عدد من المفتشين حسب مساحة التفتيش.
تغيير في نظام الإدارة..
   حتى قيام ثورة الإنقاذ في عام 1989م كان المشروع يحكم في جوانبه الإدارية بواسطة قانون 1984م، حيث نص على تمثيل المزارعين بثلاثة أعضاء في مجلس الإدارة، ولكن في بداية فترة التسعينيات من القرن الماضي ترك القانون جانباً وتم تكوين مجلس إدارة مثل فيه اتحاد المزارعين بعدد عشرة أعضاء، أي (50%) من أعضاء مجلس الإدارة مما سبب كثيراً من التعقيدات الإدارية إلى أن أتى قانون عام 2005م حيث أعطى المزارعين نسبة (40%) من أعضاء مجلس الإدارة.
أسباب التراجع!
(لجنة بروفيسور عبد الله) رأت في تقريرها أن التدخلات السياسية وتلك غير المدروسة هي التي قادت مشروع الجزيرة إلى ما يعاني منه اليوم – والتصرف في البنيات الأساسية لمشروع الجزيرة منذ (بداية التسعينيات) لتمويل تسيير المشروع كان بداية انهيار المشروع، فقد كان في الماضي التصرف في البنية الأساسية أو مقتضيات المشروع خطاً أحمر، لا يتم التصرف فيهما إلا بعد موافقة وزارة المالية وبحضورها بل ومباشرة ذلك، حيث إن وزارة المالية كانت مسؤولة عن الإحلال والإبدال، ويبدو أن أكبر خطأ ارتكبته وزارة المالية إن كان هذا صحيحاً، هو تفويض إدارة مشروع الجزيرة بالتصرف في البنيات الأساسية بالبيع دون الرجوع إليها – هكذا ادعت إدارة مشروع الجزيرة في تسعينيات القرن الماضي.
البنية التحتية للمشروع..
 أوردت (لجنة بروفيسور عبد الله عبد السلام) بعض المعلومات عن المنشآت بالمشروع من مكاتب ومنازل ومجمعات سكنية وغيرها (6155) منزل متوسط – (76) منزلاً (سرايا) (2) عمارة ببورتسودان (200) مكتب – (414) مخزن (48) ورشة (78) مرافق عامة (مدارس ومراكز صحية وخدمية) (53) فلتر لتنقية المياه.
وسكك حديد الجزيرة أُنشئت عام 1919م قبل البداية الفعلية للمشروع للمساعدة في ترحيل مواد البناء لإنشاء رئاسات وتفاتيش مشروع الجزيرة – وفي العام 1924م اكتملت الخطوط وظلت منذ ذلك الوقت تنقل المدخلات الزراعية في العام 1964م امتدت الخطوط لتغطي جميع أقسام المناقل، وظلت سكك حديد الجزيرة الناقل الأوحد لكل ما هو مرتبط بالنشاط الزراعي بالمشروع نسبة 75% في الفترة 1962م وحتى 1994م، حيث تأثرت بعد ذلك لسياسات التحرير الاقتصادي وحصار قطع الغيار اللازمة لصيانة القطارات والعربات، وكذلك الخطوط.

تصفية وبيع سكك حديد المشروع كخردة!!
وتضيف (لجنة البروف عبد الله) أن خلافاً لكل الدراسات والتوصيات التي أوصت بتأهيل سكك حديد الجزيرة ومن ثم جعلها تعمل على نظام تجاري لخدمة المشروع وولاية الجزيرة بصفة خاصة، ولكن للآسف تمت التصفية والبيع بالطن (حديد خردة) بما في ذلك القطارات العاملة التي تجري في الخطوط وهذا ما حدث مخالفين بذلك قرار رئيس الجمهورية رقم (308) لسنة 2006م بتاريخ 20/8/2006م الذي وجه بما يلي (دراسة إمكانية تأسيس شركة لسكك حديد الجزيرة في إطار البرنامج التنموي لولاية الجزيرة لنقل المحاصيل وترحيل المواطنين.
 تقدمت شركة صينية لتأهيل سكك حديد مشروع الجزيرة تماشياً مع التوجيه الرئاسي، ولكن مجلس إدارة المشروع الجزيرة رأى غير ذلك فبادر بالتخلص منها متجاهلاً كل التوصيات بما في ذلك التوجيهات الرئاسية التي صدرت في هذا الشأن، فرأينا كيف بيعت قطارات عاملة (بنظام طن الحديد خردة؟).
سرقة منظمة ومئات البلاغات المعلقة..
وأوردت اللجنة أن هذا البيع أعقبته سرقة منظمة ونهب لكل مقتنيات سكك حديد الجزيرة، والآن البلاغات بالمئات أنها النهاية المؤلمة والمأساوية. 
وتقصت اللجنة (لجنة بروفيسور عبد الله عبد السلام) عن كيفية البيع والتصفية التي تمت بسكك حديد المشروع والهندسة الزراعية، وخرجت بأن أكثر من عشرة سنوات ظلت (خصخصة الإدارات الخدمية) و(محالج سكك حديد الجزيرة والهندسة الزراعية) تراوح مكانها إلى أن تمت أخيراً في يوليو 2009م تصفية وبيع حديد السكة الحديد والهندسة الزراعية، ولكن هل استند هذا الفعل إلى دراسة واقعية، وهل هناك مسوغ قانوني استند إليه الذين قاموا بالتصفية والبيع؟، وتضيف اللجنة بأن قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م لم ترد فيه كلمة تصفية أو بيع البتة، المادة (20) 2(ب) تقرأ ( يجوز للمجلس اتخاذ التدابير اللازمة لخصخصة مراكز التكلفة. المادة (28) 02) تقرأ يستمر العمل بمراكز التكلفة بالمشروع لحين خصخصتها)، بل إن قرار مجلس الوزراء رقم (308) لسنة 2006م ذكر صراحة تكوين شركة لسكك حديد الجزيرة تساهم في رأسمالها ولاية الجزيرة ومشروع الجزيرة والمواطنون لترحيل المحاصيل والمواطنين.
مقترحات معالجة ولكن..
 رأت اللجنة ضرورة متابعة قانون 2005م مما له من أهمية كبيرة في تغيير وجه وتاريخ مشروع الجزيرة وخرجت بملاحظات مهمة على قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م تمت صياغته بصورة جعلته حمال أوجه. كذلك حرية اختيار المحصول التي ظل تمارسها مزارع مشروع الجزيرة عقب تنفيذه قانون عام 2005م أو هكذا أفهم مزارع المشروع تتعارض تماماً مع طبيعة المشروع وأسس تنظيمه مما تسبب في إرباك كل العمليات الزراعية، ومن العيوب الظاهرة التي أدت إلى خلل في تسيير المشروع هو ما ذهب إليه القانون إلى إعطاء مجلس الإدارة صلاحيات تنفيذية كثيرة، بل تكاد تكون يومية وسلب الإدارة التنفيذية كل ما يمكن أن يعين على إدارة المشروع، كذلك أغفل تماماً الجهة التي يمكن أن يحاسب بها مجلس الإدارة ولم يحدد قيداً أو أجلاً زمنياً لمجلس الإدارة.
آثار سالبة في تطبيق قانون 2005م..
 ورأت اللجنة أنه حتى يستقيم الأمر لابد من معالجة الآثار السالبة التي نتجت عن تطبيق قانون 2005م وذلك بتعديل المواد التي تسببت في ذلك – إدارة شبكة الري وقد كان. توكل بكاملها لوزارة الري والموارد المائية، وروابط مستخدمي المياه بالمشروع لابد أن يتسع دورها في نطاق خدمة المزارعين أن تكون شبكة الري عنصر توحيد لكافة العمل الإداري داخل المشروع.
وتوضح اللجنة أن قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م لم يشر إلى اتحاد المزارعين صراحة في أي من مواده ولا حتى تلميحاً، عليه لابد من إعادة النظر في الكيفية التي يمثل بها المزارعون داخل مجلس الإدارة، وأن التجارب السابقة لمقدرة اتحاد المزارعين على إدارة المؤسسات التنموية لا يبشر بخير مما يجعلها تتحقق على مصير مشروع الجزيرة الذي يحتاج لقيادة مقتدرة وكادر ذي خبرة وتدريب، كما أن بيع بعض أصول المشروع يحدث لأول مرة منذ إنشائه.
عودة منظومة الري بعد غياب خمس سنوات!
أصدرت رئاسة الجمهورية المرسوم الجمهوري رقم (32) القاضي بضم قطاع الري للموارد المائية واستعادة الوضع المؤسسي والهندسي بشأن مكونات الري، بناءً عليه أعلن وكيل الري مهندس “حسب النبي موسى” إرجاع منظومة الري بالرغم من استيائهم لفقدان الوزارة للكوادر البشرية ومقدرتها، عليه تسلم الوكيل وزارة الري ناسياً أن عليه صيانة وتشغيل مرافق الري بالمشروع بما فيها من مرافق هالكة لم تبق منها إلا صورها، فهل تنجح تجربة الري بعد خمس سنوات غياب؟ علماً بأنه تم تكوين خمس لجان لمديري الإدارات، وقد عمل الوكيل على إعادة ميزانية الري المدرجة ضمناً للمشاريع الزراعية القومية التي تمثل مشروع الجزيرة أهمها وأكبرها وأن ما تنطوي على ذلك ضرورة جمع المعلومات وتحديد المساحات المزروعة لأنها أهم أولويات عودة الري، وأن ما عليهم هو تحديد معينات العمل والتفاعل الإيجابي بسرعة التسلم.
عدم رضاء من مزارعي الجزيرة وتشريد لـ(3500) عامل
الناطق الرسمي باسم تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل “عابدين برقاوي” عبر عن سخطه بأن التشريد مورس على (3500) عامل في المشروع من دون إحلال وإبدال للوظائف بدون تأمين للعاملين، بالإضافة إلى مكاتب المشروع وإدارة وسراياته وتدميرها جعل منها مكاناً لضعاف النفوس، ويضيف “برقاوي” في حديثه لنا لم يقف التحالف مكتوف الأيدي، بل أصدر بيانات توضح خطورة ما يحدث، لكن لا حياة لمن تنادي. في هذا الجو تمت إقامة نقابات واتحادات المزارعين، وإقامة اتحاد المزارعين بالشكل الذي يرضي الدولة، وتم إبعاد الآخرين بحجج مختلفة منها مثلاً أي مزارع غير مسدد يبعد، ويرى “برقاوي” أن الحكومة انحازت لعناصرها لتشكيل اتحاد ضعيف وموالٍ – على حد قوله – لجعل الحكومة تطبق ما تريده من دون مقاومة. رفعنا قضية بعدم مشروعية هذا الاتحاد بالرغم من أن المحاكم قضت لمصلحتنا، لكن مسجل التنظيمات التف على القرار إلى أن جاءت الدورة الثانية للاتحاد 2009م، وظل جاسماً على صدرنا لستة سنوات وبإضافة في عام 2014م بدورة أخرى غير شرعية. خاطبنا الحكومة بضرورة عمل لجان لمراجعة ما يدور في مشروع الجزيرة وكونت بناء عليه الدولة لجنة خماسية تعرف بـ(لجنة دكتور عبد الله عبد السلام) التي خرجت بمقدرات جيدة بأن تتم محاسبة كل الذين تسببوا في تدمير مشروع الجزيرة – وصل صوتنا للنائب الأول وقتها “علي عثمان محمد طه” الذي كون لجنة تضم (30) خبيراً تعرف باسم (لجنة تاج السر مصطفى)، وكانت أول مقرراتها إلغاء قانون 2005م، وقامت بجولة في الجزيرة والمناقل واطلعت على حجم الدمار، وأقرت أيضاً بالمحاسبة والمحاكمة كسابقاتها، وقالت عبارة ( إن هذا المشروع وصل لحالة فككت فيه منشآته للري وضعفت وحداته الخدمية وضعفت نظمه الإنتاجية، وشردت فيه كوادره الفنية والهندسية والإدارية، وهذه الحالة جعلته في وضع لا يستطيع فيه  الاضطلاع بالمهام المنوط بها في الإنتاج والدور المرجو منه في الاقتصاد الوطني، وطالبت الدولة بتأهيل وإعادة بناء ما دمر فيه) – لكن الدولة ضربت بتقرير” د. تاج السر” عرض الحائط – ونحن كتحالف نعتبر أن هذه اللجنة بهذا التقرير هم عبارة عن مهنيين مخلصين، إلا أنهم رجعوا لقانون 2011م بقيام جمعيات مهن الإنتاج الزراعي والحيواني، وأشار إلى أن إلغاء اتحاد المزارعين جعل المزارعين بدون قيادة تدافع عن حقوقهم.
في الحلقة المقبلة تقرأون مرافعة إدارة مشروع.. وماذا قال المزارعون خلال زيارة (المجهر) للحقل.. وما هي مقترحات المعالجة؟.. وكيف تتنزل توجهات الرئاسة بالنهوض بالمشروع؟ ومعلومات أخرى.
   

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية