جولة فى مستشفى أمبدة النموذجى تدحض مزاعم نقل الخدمات للأطراف
مبانى بلا معانى
تحقيق – هبة محمود
لم تشفع جمالية مبنى مستشفى (أم بدة النموذجي) ومساحاته الواسعة وأشجاره الوارفة، في جعله يستقطب أعداداً كبيرة من مرضى المناطق المحيطة به، وذلك لافتقاره لكادر طبي جيد يعمل على إزالة آلام المرضى وتوفير رعاية طبية تليق بهم، رغم أنه أحد المستشفيات الطرفية التي أعدت لتخفيف الضغط على مستشفى الخرطوم بعد تجفيفه تماماً.
جولة صغيرة لـ(لمجهر) داخل المستشفى كانت كفيلة بإماطة اللثام عن مدى عجزه، وعزوف طالبي الاستشفاء من الإتيان إليه، المساحات خالية إلا من عدد يسير من المرضى ومرافقيهم، كما أن الحوادث لم تكن ترقى لمثيلاتها في بقية المشافي الأخرى، فالهدوء يلفها على غير ما هو معهود، ورغم ذلك تفتقر لأبسط الخدمات الطبية، ليؤكد واقع الحال أن القائمين على أمر الصحة كانوا أكثر حرصاً بمباني المستشفى، بدلاً من خدماته الطبية، عقب عودته للعمل مجدداً بعدما تم إغلاقه بسبب أخطاء هندسية ومشكلات في الصرف الصحي، فضلاً عن توقف العديد من المعدات الطبية فيه.
انتشار شرطي كثيف
عبر الإجراءات التي تتبع مع المرضى الداخلين إلى الحوادث، تمكنا من الدخول إلى مستشفى أم بدة متنكرين في هيئة مرضى، وعقب تسلمنا لإيصال (15) الالكتروني، كان أول ما يلفت الانتباه هو الهدوء الذي يضربها إلا من عدد قليل من المرضى جاءوا يطلبون العلاج كل يشكي علته وينشد الشفاء، إلى جانب ذلك يشد انتباهك الانتشار الشرطي الكثيف داخلها والذي أرجعته مصادر عليمة بالمستشفى لـ(المجهر) تحوطاً من حدوث اشتباكات بين مرافقي المرضى والأطباء، حيث إن أكثر حالات الإصابات تأتي من مناطق “غرب أم درمان”، ورغم أن السياسة العامة التي اتبعها القائمون على أمر الصحة داخل ولاية الخرطوم والمتمثلة في نقل الخدمة إلى المناطق الطرفية وتقديم خدمات طبية جيدة، إلا أن واقع هذه المستشفيات يعكس خلاف ما رمى إليه وزير الصحة ولاية الخرطوم الدكتور “مأمون حميدة”، حين قام بتفكيك مستشفى الخرطوم ونقل الخدمات إلى مستشفيات المناطق الطرفية التي عزف الناس عن الحضور إليها لقلة الكوادر الطبية..
انتظار ممرض
إحدى السيدات بدت أكثر أسفاً وهي تسرد لـ(المجهر) الكيفية التي تعامل بها القائمون على أمر المعمل، حين ذهبت لإجراء فحوصات لابنتها المتوعكة، إلا أن إدارته طلبت منها الانتظار لحين عمل الوردية الثانية وقدوم أفرادها، علماً بأن أي فحص يأخذ على الأقل ساعة حتى تظهر النتائج، وما لحظته الصحيفة حين دخولها إلى المعمل، هو تكدسه بطبيبات معامل أغلبهن في بداية الخدمة، ورغم ذلك يطلب من السيدة الانتظار حتى عمل الوردية الثانية، دون الأخذ في الاعتبار لحالة ابنتها الصحية التي توسدت قدم والدتها، ودون الإلمام بما تحمله كلمة (حوادث) من معنى يتوجب معه الإسراع في علاج المريض، حتى وإن كان من ذوي الحالات الباردة.
بالقرب من المعمل وتحديداً أمام الصيدلية، سقطت سيدة خمسينية مغشياً عليها، وعقب إسعافها تبين أنها دخلت في حالة إغماء نتيجة الانتظار الطويل أمام الصيدلية عندما تباطأت (الصيدلانية) في صرف الدواء لها، وأكدت لـ(المجهر) أنها ظلت منذ الصباح تعاني حالة (إسهال) متواصل جعلها تقصد المستشفى، ولفتت إلى أنها كانت بخير، ولكن الانتظار الطويل أمام الصيدلية جعلها تشعر بدوار فقدت على إثره وعيها.
كوادر مستهترة
مصدر مطلع أكد لـ(المجهر) استهتار الكادر الطبي على قلته، وعدم التزامه بمواعيد الحضور المحددة، فيأتي الطبيب كيفما يحلو له غير مكترث بالحالات التي تكون في انتظاره، وطفق مصدرنا يسرد أحد المشاهد لسيدة جاءت تستنجد بحوادث المستشفى صباحاً حوالي التاسعة تقريباً لإسعاف ابنها ولم تجد أحداً من الأطباء، وبطول الانتظار اضطرت للعودة به للمنزل نسبة لقيه المتواصل، على أن تعود مجدداً، وبعودتها مرة أخرى تفاجأت بعدم حضور الأطباء بعد، الأمر الذي اضطر أحد الحضور بنصحها التوجه به إلى أقرب مستشفى خاص لإسعافه.
المصدر أشار إلى أن الكادر الطبي بالمستشفى على قلته، يمكن وصفه بـ(المستهتر) وما لحظته الصحيفة أثناء وجودها هناك لحظة وقوع السيدة أمام الصيدلية عقب التأخير الذي لاقته في صرف الدواء يؤكد ذلك.
في الجانب الغربي من المستشفى كان يقبع عنبر غسيل الكلى، عدد قليل من المرافقين تناثروا هنا وهناك، كل يستظل بطريقته عبر مساحات المستشفى الواسعة وأشجارها الوارفة، لحين انتهاء ساعات الغسيل، أمام بوابة مجمع الغسيل الكلوي جلس المواطن “محمد عوض” أعمال حرة، في انتظار فراغ مريضه من جلسة الغسيل الكلوي، وباستفسارنا منه عن أكثر المشاكل التي تواجههم عند الغسيل، أكد أنها تتمثل في قلة الكادر الطبي وعدم كفاءة الموجود منه، قائلاً: (الدكتور تناديهو ممكن يجيك بعد ساعة)، وأضاف: الخدمة هنا ليست بالصورة المطلوبة، ولكن لا مناص من إجراء عمليات الغسيل الكلوي بها، لقربها لنا، علماً أنه في أوقات كثيرة يتم إلغاء (الغسلة) بسبب حدوث عطب في أجهزة الغسيل، ولكني أتساءل عن مدى علم وزير الصحة “مأمون حميدة” عما يجري داخل المستشفى، وحديثه عن تجهيز وإعداد المستشفيات الطرفية بالصورة المطلوبة حتى تكون أكثر جاهزية عقب تجفيف مستشفى الخرطوم.
نقص في عدد من الأولويات
إحدى المريضات كانت في انتظار استخراج النتيجة المعملية، تحدثت لنا عن حال المستشفى، وجسدت حال الخدمة به مستخدمة عبارة (يعني)، وذكرت أنها كثيراً ما تأتي إليه لقربه الجغرافي من مكان سكنها، وما استشفيناه من واقع حالها يحكي أنه لو لا ضيق ذات يدها لما ذهبت تنشد شفاء لعلتها في هذا المستشفى.
مصدر مسؤول بدا أكثر أسفاً على واقع حال المستشفى الذي آل إليه رغم حالته الجميلة المتمثلة في المباني الجديدة، مشيراً إلى أنه لم يعد يعمل بذات القوة التي كان عليها قبل العمل على صيانته، وقال: المستشفى سابقاً كان يقدم خدمة طبية ممتازة، ولشدة الزحام الذي يضربه من قبل المرضى القادمين من المناطق المحيطة به بالكاد يستطيع المريض ومرافقوه الإسراع في إكمال إجراءاتهم، أما الآن المستشفى صار أشبه بـ(المركز الصحي)، وأضاف: في السابق كانت المقاعد مصطفة ومليئة بالمرضى ومرافقيهم، أما الآن فأصبحت شاغرة إلا عدد قليل، والأطباء يأتون وفقاً لأمزجتهم الخاصة وفي الساعات التي تحلو لهم، ناهيك عن النقص الذي يعانيه المستشفى من أثاث مكتبي رغم اكتمال المبنى الذي لم تشفع له جماليته ويظل بحاجة لأطباء.
مشاكل وملاسنات
وفقاً لأحد الموظفين بالمستشفى، فإن أكثر الأقسام عملاً هو قسم (النساء والتوليد)، كما أن أكثر العمليات التي تجرى هي عمليات الولادة بشقيها (قيصري ـ طبيعي)، بجانب عمليات أخرى مختلفة ومتنوعة لكنها قليلة، مشيراً إلى كثرة المشاكل والملاسنات التي تحدث بين العاملين والمرضى ومرافقيهم بسبب سوء الأوضاع وعدم توفر الأطباء.