أسباب صراعات الاتحادات
نشبت في جسد اتحاد الصحافيين اليومين الماضيين خلافات خرجت من أسوار الدار المفتوحة على شارع الجمهورية قبالة البنك الزراعي إلى فضاء الإعلام بعد التغييرات التي شهدتها مكاتب وأمانات اتحاد الصحافيين، وخرج على إثرها بعض الصحافيين وحل مكانهم آخرون قبل نهاية الدورة الحالية للاتحاد الذي اتخذ في الفترة الأخيرة مواقف صارمة من التعديات الحكومية على الصحافة والصحافيين.. وناهض الاتحاد كمؤسسة السياسات الحكومية التي تولى وزرها وزير الإعلام د. “أحمد بلال عثمان” لمعاقبة الصحافيين على مواقفهم الرافضة لمشروع الميزانية في صورته الأولى، قبيل استدراكات هامة للوزير جعلته يؤجل حقن جسد المواطن المنهك بحزمة زيادات في الأسعار ورفع الدعم عن بعض السلع.. ولعبت الصحافة دوراً في الكشف عن ما تخبئه الموازنة الجديدة مما أثار غضب وزير الميزانية عليها.. واتحاد الصحافيين ممثلاً في رئيسه “الصادق الرزيقي” اتخذ مواقف قريبة من نبض قاعدته العريضة على حساب (أمه وأبيه) وجهات الاختصاص التي جلدت بالاتحاد أفراداً من القاعدة العريضة لقيادة الاتحاد.. ولكن من تجربتي التي امتدت لثماني سنوات في أضابير اتحاد الصحافيين برفقة الأخ د.”محي الدين تيتاوي” وآخرين، فإن مشكلات اتحاد الصحافيين تبدأ بتكوينه ومنذ ميلاده، حيث تولي الجهات المختصة اختيار القيادة ممثلة في الرئيس والأمين العام وأمين المال. وليتها تكتفي بهؤلاء وتفسح الباب لهؤلاء الثلاثة ومشورتهم وإشراكهم في اختيار المكتب التنفيذي والمجلس الأربعيني.. (فالجهات المختصة) في الحزب والحركة الإسلامية تختار كل القائمة.. دون النظر للتباينات الفكرية والفوارق الثقافية والاجتماعية وتفترض المختصة أن عضويتها (مثالية) في سلوكها ومثالية في علاقاتها، ولو كان الأمر بيد الصحافيين والمشتغلين بالمهنة لوحدهم لتم الاختيار بمعايير غير التي يتم بها الاختيار من (الجهات المختصة). فالصحافيون (تيارات) و(مجموعات) و(شلليات) مثلهم وبقية مكونات المجتمع.. فالقانونيون بوزارة العدل منقسمون إلى تيارين.. وكل الفضائح التي فاحت روائحها من وزارة العدل هي ثمرة مُرة لصراع مجموعات ،وفضائح محاليل كور والإمدادات الطبية.. وأزمات وزارة الصحة فهي ثمرة لصراع قديم في الحقل الطبي لم ينتهِ إلا بتعيين “بحر أبو قردة” الذي هو فوق الصراعات.
وفي فترة “محي الدين تيتاوي” ابتعد عن جسم الاتحاد عدد من أعضاء المكتب التنفيذي منهم أمين المال “رمضان أحمد السيد” ونائب الرئيس “مصطفى أبو العزائم”.. و”حياة حميدة”، وكاتب هذه الزاوية و”مكي المغربي” و”سيف الدين البشير”، ولكنهم جميعاً لم يخرجوا لفضاء الإعلام ويكشفوا سوءات زملائهم مثلما فعل الخارجون عن طوع “الصادق الرزيقي” اليوم.
لو خير قادة الاتحاد الثلاثة “الصادق” و”صلاح الشيخ” و”علي أبا يزيد” في المجموعة التي تعمل معهم هل كانت التشكيلة التي تعمل مع الصادق هي التشكيل الأمثل!!
إن الخلاف الذي نشب هذه الأيام في جسد اتحاد الصحافيين خلاف طبيعي جداً، ولا ينبغي تحميله فوق طاقته ولا تفسيره بعيداً عن الصراعات الشخصية والطموحات الذاتية والانتصار للنفس وفش الغبينة ومحاولة إغراق مركب الاتحاد، بعد أن خرج منها البعض، ولكن أين دور (الجهات المختصة) .. أما بشأن (الجهات المختصة) تحضرني قصة عمنا “قدوم” الذي قدم من (تالودي) للخرطوم في ستينيات القرن الماضي، من أجل الحصول على تصديق من وزارة التجارة لطاحونة في تالودي.. وكانت المركزية القابضة لا تسمح لمواطن بامتلاك طاحونة في سنكات أو أمبرو إلا بالحصول على تصديق من (الجهات المختصة) في الخرطوم. فأخذ يتردد على مكاتب وزارة التجارة والصحة ولكن في كل مكتب يكتب له على الأوراق إذا وافقت الجهات المختصة، ولما طال مقامه ذهب لوزير الحكومات المحلية “ميرغني حسين زاكي الدين” وسأله يا سيدي ناظر البديرية (أنت الجهات المختصة دا منو)!! فالجهات المختصة التي تختار الاتحادات متعددة الوجوه والمشارب.