الاعمدة

"أبو نجمة" وثقافة الموت!

كنت ومازلت من الحريصين على الاستماع لأغاني البنات، فأطرب لبعضها ويتملكني الغيظ من الآخر،  ولكنني في كل حال أستمع لها فهي  تعطينا ملخصاً لما يدور في المجتمع ، فنستطيع أن نقرأ من خلاله الكثير ..، وقد استمعت مؤخراً لأغنية قديمة مستحدثة تحتفي “بأبو نجمة”  وتقول “أبو نجمة ده ..أبو هجمة ده “..ثم كلام ساذج لا مجال لذكره؛  إلى أن تصل المغنية إلى  تعبير “الضعف ده سوء تغذية”!  ثم تردف  كلماتها بضحكة ساخرة..، و”أبو نجمة” لمن لا يعرفون هي حبوب تتناولها الفتيات لزيادة وزنهن ـ ليس كلهن طبعاً ـ فمازال الحال كما هو عليه “احتفاء بالسمنة ” حد الغناء لحبوب “تسمين “!، ليس ذلك وحسب؛ بل إن الإعلانات التي تحرض البنات على “السمنة” تعرض جهاراً نهاراً على شاشات التلفزيون..!، بينما كل الدنيا تحارب السمنة حرباً شعواء، وبالأمس القريب؛ شاهدت تقريراً يتحدث عن وفاة الآلاف في مدينة نيويورك وحدها، كانت السمنة سبباً رئيسياً فيها، ونحن ما زلنا في خانة “كملانة من لحم الدنيا”،  و”معصعصة ” وما أدراك.. تقليلاً من شأن الفتاة غير الممتلئة!، رغم أنها الأكثر صحة ورشاقة..!
والسمنة داء يمشي على رجلين يمكن أن يفجر أمراضاً كثيرة ويجعلها قاتلة لو لم ينتبه المصاب بها على رأسهم أمراض القلب والسكري والضغط..
ورغم جهود الكثيرين في توعية الناس ـ أمثال دكتور “عمر محمود خالد” الذي يقوم بدور عظيم من خلال برنامجه المتابع؛ وهي فرصة للتعبير عن امتناننا لمجهوداته ـ إلا أن أصوات المطربات والإعلانات ، وعدم الرقابة على تلك المنتجات والأدوية التي تباع في أي “طبلية” يجعل تلك التوعية تضيع وسط أصوات طنانة محرضة، تدفع الناس للموت وتدعوهم للهلاك..!
والحقيقة هي ليست دعوة لتصبح الفتيات “عارضات أزياء”..، ولا هو ذاك الهوس بالـ”دايت”، ولكنها دعوة للاعتدال وللجسم المناسب دون إفراط في هذه الناحية أو تلك،  والمهم في الآخر أن يكون جسداً صحياً غير ممتلئ بالدهون القاتلة!، ومفهوم أن المرأة الممتلئة” هي “المدللة والمرتاحة “أصبح في خبر كان..، و صارت هي المرأة الكسولة غير الوفية لصحتها..!، ومن يروج لغير ذلك فهو يروج للموت..، إن كان يدري أو لا..!
وأدري أن الكثيرين لم يتعمدوا أن يزيد وزنهم، و وجدوا أنفسهم أسرى لنمط حياة يعيشونه، أو لسبب وراثي أو حتى بعد الحمل والإنجاب،  و أصبحوا متورطين في هذا الداء، وأعرف أن الكثيرين يتمنون لو تخلصوا منه، وأتمنى لهم فعلا أن يفعلوا ذلك بطلب المساعدة من أطباء أو اختصاصي تغذية، وأن يوفقهم الله في ذلك، ولكن من أعنيهم هم الذين يتعمدون زيادة وزنهم بكل السبل بطرق- غالباً- ليست صحية ، وربما هناك فعلاً من يحتجون لزيادة بعض الوزن، فالنحافة المفرطة أيضا مشكلة ، لذلك عليهم والأفضل لهم أن يكون ذلك باستشارة طبيب، حتى  يدلك على الطريق الأمثل لزيادة وزن لا يتسبب بالمشاكل..، ومن هنا أحرض الجهات المختصة للتدقيق في ماهية هذه الحبوب، ومدى ضررها وكيف تدخل؟ وأين  تباع؟، وما هي تلك المنتجات التي يعلن عنها على شاشات التلفزيون؟! وإلى أي مدى تراعي الصحة..إلخ؛ بدون تهاون..، وثقافتنا التي تدعو المرأة إلى السمنة بإصرار هي ثقافة تدعو إلى الموت بإصرار أيضاً..!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية