حوارات

د. "علي الحاج" في حديث جهير لـ(المجهر) (1-2)

“أمبيكي” خطف الحوار الوطني من السودانيين!!
عفوت وصفحت.. ولو استأذنت الشعبي للقاء “علي عثمان” لرفض!!
الحكومة ترفض اسم (الحكومة الانتقالية) لا مضمونها.. وقلت لهم سموها (الدائمة)!!
لم يطالب أهل دارفور بإحياء الموتى من ضحايا النزاع..!!
حوار – يوسف عبد المنان
السنوات الطويلة التي أمضاها “راشد الغنوشي” المفكر التونسي في منفاه بالغرب شكلت فلسفته في الحياة وفي معتقده السياسي، وحينما عاد إلى بلاده تونس بعد ذهاب النظام العسكري لم يهفُ قلبه للسلطة على حساب المبادئ والقيم التي تشرب بها.. نظر.. وقدر وتنازل من أجل المستقبل.. ود. “علي الحاج” الذي غادر السودان مغضوباً عليه من بعض المخلصين له بالأمس وأصبح لاجئاً سياسياً مطروداً من نظام هو من ساهم في إرساء قواعده وبناء أسواره وتشكيل هياكله.. د. “علي الحاج” درس في منفاه بمدن ألمانيا.. بون.. وفرانكفورت وأشتوتغارت الديمقراطية الغربية كقيمة حضارية وثقافية، وبدأت قناعته بالديمقراطية تزحزح ما تربى عليه من فكر شمولي ومدرسة (قطبيات)، أي المدرسة الإسلامية المنسوبة للشهيد “سيد قطب”، وهي مدرسة مجانبة ومفاصلة وفكر امتناع عن الآخرين.. لكن ألمانيا التي شكلت قناعات “نجم الدين أربكان” الذي درس هناك الهندسة واستفاد منها في هندسة بناء النظام التركي الحديث، هي ذات ألمانيا التي جعلت قناعة د. “علي الحاج” بالديمقراطية مثل قناعة “مالك بن نبي” بالنهضة المرتجاة من الأمة.. ومثل قناعة “نيلسون مانديلا” بالتعافي المجتمعي.. لكن الرجل قصير القامة بعيد النظر ببشرته السمراء الناعمة، أخذ يتحدث ويصغي للآخرين أكثر.. بتواضع بلا انكسار ويبوح بما في صدره دون حسابات.. يضحك في رضا ويغضب حد الثورة.. في قصر الأمم بجنيف التقيت د. “علي الحاج” بعد (15) عاماً.. تبدلت فيها أشياء لكنه حينما مدّ يده بالعناق الحكيم قال ضاحكاً: لماذا تبدى عليك الشيب مبكراً؟؟ قلت إنها الحياة في السودان لهث وكر ورهق.. وقبل أن نرشف الشاي بالخبيز السويسري اتفقنا على حوار يتحدث فيه عن المستقبل السياسي لبلادنا ونضع جراحات الماضي بعيداً عن حديثنا.. ثم اتفقنا على حوار في ندوة على طاولة يشارك فيها آخرون.
اليوم نطرح بعض الأسئلة على نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي، الذي يفضل أن يتحدث بلا صفات ودون ألقاب.. ويقول سأتحدث إليك أنا “علي الحاج” فقط.. خلينا من دكتور ونائب أمين الشعبي ووزير سابق.. فإلى نص الحوار.
{ دكتور.. المخاض العسير على صعيد الحوار الوطني أو الإصلاح الداخلي والتقارب الذي يحدث بين المعارضين من حاملي السلاح أو المعارضة السياسية.. هل تعتقد أن المستقبل قد يقود بلادنا إلى تحول ديمقراطي أم ستستمر حالة التشرذم والكر والفر؟؟
– المرجو حسب رأيي الشخصي في المستقبل كل هذه المسائل أن تؤدي إلى حل المشاكل التي نعاني منها الآن سواء أكانت مشاكل الحرب أو الحريات أو المشاكل الاقتصادية.. يجب التوافق على حلول لهذه القضايا من قبل السودانيين عامة.. وحينما يتم التوافق على الحلول فالتطبيق سهل جداً.. حتى نتوافق على الحلول يجب طرح كل القضايا على بساط البحث.. ربما استغرق البحث عن حلول لمشاكل السودان شهوراً، لكن في النهاية سنصل إلى (80%) أو (90%) من الحلول.. هناك (20%) ربما يتخذون موقفاً رافضاً.
{ ما هو الإطار الموضوعي للوصول إلى هذه الغايات؟؟
– كنت أعتقد أن خطاب الرئيس في يناير الماضي هو بداية حل مشاكل بلادنا.. وقد بدأ الرئيس في يناير الماضي وضع الإصبع على الجرح في ذلك الوقت، وكل السودانيين إلى حد كبير اشرأبت أعناقهم وتطلعاتهم بأن حديث الرئيس فرصة كبيرة.
{ هذا التفاؤل بعلمكم أم بفكركم؟؟
– والله بفكري أكثر من علمي، لكن العلم ليس يقيناً بمعنى أنني (عارف الحاصل شنو)!!
{ ولكن ماذا؟؟
– طبعاً حدثت تشوهات.
{ هل هي تشوهات أم عثرات؟؟
– لا عثرات كلمة قوية (شوية) أفضل نقول تشوهات.. لأن حتى الناس الذين (فعلوها) من اعتقال “الصادق المهدي” و”إبراهيم الشيخ”.. و(محاكمة البت ديك).. (ما عارف عملو ليها شنو).
{ تقصد “مريم”؟؟
– نعم.. أنا ما عارف حتى اليوم اسمها “مريم” ولا “أبرار”.. المهم حدثت تشوهات، ما كان لها أن تحدث في إطار حديث الناس عن مشاكل البلاد.
{ وهل التشوهات مدعاة لليأس والإحباط؟؟
– لا، التشوهات يمكن تجاوزها لكنها أحدثت قدراً من التراجع دون إلغاء للحوار وفكرة التسوية.. لا زال هناك أمل رغم الحدث أن نعالج القضايا.
{ كيف يتم وضع ترياق يحول دون حدوث تشوهات جديدة؟؟
– حتى لا تتكرر التشوهات، هذه مسؤولية الحكومة وليس المعارضة.. يجب أن تقود الأجهزة السياسية الأجهزة الأمنية في البلاد لا أن تقود الأجهزة الأمينة البلاد.. إذا الجهاز السياسي أصبحت له سلطة عليا في إدارة شأن البلاد، وأصبحت لديه إرادة حل يمكن أن يتقدم الحوار مرة أخرى.
إذا كان الناس يتحاورون ويتحدث كل إنسان عن ما يعتقد أنه الصواب ويتم اعتقاله، تصبح لا فائدة ولا جدوى من الحوار.
{ المعارضة احتملت الأذى والاعتقال والتضييق والمصادرة لسنوات طويلة منكم من عارض لمدة (25) عاماً وهناك من عارض (12) عاماً.. لماذا لا تحتملون الأذى لشهرين أو أربعة حتى يبلغ الحوار مقاصده؟؟
– الناس بتختلف.. أنا شخصياً تجاوزت الموضوع كله.. عفوت وصفحت.. وأقولها اليوم عبركم أنا عافي عن كل من أساء لي شخصياً وأساء لأسرتي وصادر حقي في التعبير.. وصادر أموالي.. وشكك في ذمتي.. عفوت عنهم وأقبلت بقلب مفتوح.. حتى أهل دارفور الذين ماتوا بالآلاف لا أعتقد أن هناك من يطالب بإحياء الموتى.. ولكن نحن حريصون أن لا يحدث لأحفادنا ما حدث لنا في وطننا.. وهذا كلام معقول.. إذا استمر الحوار وفتح الباب لعودة “الصادق المهدي” و”الميرغني”.. سمعت من يقول يجب اعتقال “الصادق المهدي” إذا عاد، هذا حديث غير سليم، ولا فيه نوع من العقل، لأن هذا معناه أنت لا تريد الحوار وأنت تطرد القيادات من بلادها.. بكل أسف هذا ما يقوله بعض الناس في الحكومة.. إذا استمر الحوار، فيقيني أن السودانيين عندما يلتقون سيصلون إلى شيء.
{ كيف تجاوز د. “علي الحاج” الجراحات الذاتية ولماذا لا تساهم في تجاوز الآخرين لجراحاتهم؟؟
– ما لازم نتجاوز الجراحات الشخصية.. في النهاية نحن سياسيون وأخوة في وطن واحد.. لازم نعفو ونصلح كما أمرنا الدين.
{ على أي فقه اتكأ “علي الحاج” وهو يعبر المسافة من الأمس إلى اليوم؟
– لقد شعرت أن مآلات البلاد تتجه إلى هاوية سحيقة، وحتى اليوم أشعر بخطر كبير يحدق ببلادي، قد لا يشعر بذلك من هو في السلطة، وعندما زارني الأخ “علي عثمان” في ألمانيا كان يعتقد أنني سأتحدث إليه عن مراراتي الشخصية.. قلت له أنا أنظر لمآلات سيئة جداً تنتظر بلادنا.. لذلك أنا تجاوزت هذه (الحتة).. قلت له أنا أتحدث كـ”علي الحاج” لا أتحدث كمؤتمر شعبي.. هذا رأيي ولم استأذن أحداً في المؤتمر الشعبي حينما التقيت “علي عثمان” في ألمانيا، ربما إذا استأذنت المؤتمر الشعبي في تلك الأيام لرفض لي مقابلة “علي عثمان”.
{ هل لا تزال تأخذ الإذن؟؟
– لا أنا بدي الناس خبر بكل تحركاتي!! أنا بقول ليهم أنا ماشي جنيف.. أنا سأشارك في المنشط (الفلاني).. لكني لا استأذن كالتلميذ من الأستاذ.. هذا واجب وليس بأذن.
{ كيف نعبر مرحلة عدم الثقة بين المعارضة والحكومة؟؟
{ خطاب الرئيس في يناير الماضي كان بمثابة (العربون).. نحن في المعارضة السلمية قلنا نعم للخطاب، وقد تحدثت مع الأخوة حاملي السلاح بأن الرئيس فتح باباً يمكن أن يؤدي إلى سلام في بلادنا، فماذا تريدون؟؟ لم أجد رفضاً من كل المعارضين الذين يحملون السلاح.. ولو مضى الحوار دون تشوهات وعراقيل كان يمكن أن نتفق على كل القضايا ومن بعد يتم تشكيل حكومة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
{ ما بين حكومة قومية وحكومة انتقالية وحكومة وحدة وطنية يختلف المعارضون قبل الحاكمين؟
– ليس مهماً اسم الحكومة سمها أي شيء.. ليست هناك مشكلة أن نسمي حكومة انتقالية حكومة إنقاذ جديدة.. غير مهم.. أديها أي اسم.. واحد من الحاكمين قال لي ما عاوزين حكومة انتقالية، قلت له نسميها حكومة دائمة.. الدوام لله يا أخي.. هذه شكليات.. يجب أن نتحدث عن الجوهر.. هل إذا سميت الحكومة بالدائمة ستدوم إلى الأبد؟؟ (هذا كلام ساكت)!!
المهم أن مهام الحكومة إيقاف الحرب على أسس معينة.. إذا وقفت الحرب حتماً أوضاعنا الاقتصادية ستتغير، لأن هناك كثيراً من المال يذهب للحرب، بعد ذلك ندخل في مهام الحكومة.. وبعد انتهاء الفترة الانتقالية تقوم الانتخابات بأسس.. يتم وضع قانون للانتخابات.
{ تفاصيل الحكومة القادمة غامضة حد الخوف؟؟
– خوف من شنو؟؟ إذا تحقق السلام هناك حاجة لوقف إطلاق نار.. وفترة للذين يحملون السلاح ليعودوا.. هذا يتطلب وقتاً.. العودة من معسكرات النازحين واللاجئين إلى داخل البلاد تحتاج إلى زمن ليس قصيراً.. يجب تقدير هذا الوقت.
{ في تجربتنا السودانية.. الديمقراطية يقطع طريقها انقلاب عسكري.. منذ الاستقلال وحتى اليوم قامت عشرات الانقلابات منها التي نجحت فأصبحت ثورة ومنها الفاشلة فأصبحت تسمى مؤامرة أجنبية وعنصرية.. الخ.. هل توافُق القوى السياسية يعني تحصين الساحة من الانقلابات العسكرية؟؟
– ما في أي ضمان لعدم وقوع انقلاب عسكري حتى لو تم توافق لكل القوى السياسية بما في ذلك الإنقاذ.. الضمان الوحيد أن تكون هناك حكومة قوية، لكنها عادلة بين الناس.
{ حكومة قوية مثل الإنقاذ؟؟
– القوة لا نعني بها التسلط.. القوة هنا معنوية وثقافية في القبول بالآخر.. أعتقد هذا هو الترياق الذي يحول دون حدوث انقلاب.. الدول التي تسودها الديمقراطيات الآن عبرت عبر معاناة شديدة.
{ السودان يمثل رقماً صعباً في سجلات الانقلابات؟؟
– أبداً.. هناك دول مرت بظروف أسوأ من السودان، ألمانيا التي تقيم فيها شهدت في حقبة “هتلر” (أشياء بطالة) جداً لا مقارنة بينها والذي يحدث الآن في السودان.. لكن الألمان تجاوزوا تلك المراحل القاحلة الموحشة.. الآن حرية الصحافة في ألمانيا ليست لها حدود.. إذا عاوز تصدر صحيفة يمكن إصدارها وإذا تحدثت عن الحكومة ليس هناك مساءلة لك، لأن الحكومة هناك لكل الناس، أما إذا قذفت في حق شخص بعينه (فشيل شيلتك)!! هذه المرحلة بلغتها ألمانيا بعد عسر شديد.
{ مسارات التسوية ما بين أديس ومرجعية الاتحاد الأفريقي ومسار الدوحة ومرجعية قطر.. هل من الأوفق أن تمضي هذه المسارات بالتوازي أم جميعها في مسار واحد؟؟
– أنا أسألك أين مسار الخرطوم.. هذه المشكلة.. عندما قابلت بروفيسور “غندور” قلت له: أين مسار الخرطوم الذي يجب أن يكون بديلاً للدوحة وأديس أبابا؟؟ أهم شيء المسار الذي يجب أن تسلكه الخرطوم.
{ إلا يعدّ خطاب (الوثبة) مسار للخرطوم؟؟
– كيف مع التشوهات التي حدثت؟؟ الناس الموجودون في الخارج بعد الاعتقالات التي حدثت يتساءلون كيف تحاور الحكومة وهي تضيق بالمعارضة السلمية.. ما هي الضمانة في عدم اعتقال القيادات التي بالخارج إذا استجابت لنداء الرئيس وعادت؟؟ ليس هناك من يخشى الاعتقال.. أنا شخصياً حينما أقرر العودة سأعود.. صحيح سأكون مستعداً للاعتقال من المطار، لكن لن تعتقل معي قضايا البلاد.
{ قضايا البلاد ستخرج من أيدي النخبة السودانية التي أدمنت الفشل ويصبح العامل الخارجي هو الفاعل الأول؟؟
– يا أخي الآن ما الذي يجعل “أمبيكي” مشرفاً على الحوار السوداني؟ من أعطى “أمبيكي” هذا الحق؟؟ الحكومة هي التي سمحت لـ”أمبيكي” بقيادة الحوار الوطني والذهاب إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي.. ثم الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي.. هل هذا يحل مشاكلنا.. عندما تحدثت لـ”غندور” قلت له يجب أن يكون مسار الخرطوم بديلاً لبقية المسارات، ولكن تفاجأت بـ”أمبيكي” يخطف القضية السودانية ويذهب بها إلى مجلس الأمن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية