منشورات "ياسر يوسف
مثلما للإعلام أدوار كبرى واحتياج هام في مواقيت الأزمات ومثلما أنه مطلوب للتثبيت والإثبات في مواقيت المحن، فإنه كذلك يلعب دوراً جوهرياً في أوقات السلم وفرص إشاعة الطمأنينة. ولهذا في أنه في اليسر والرخاء مظنة مهمة عالية الدقة، أيما اختلال في دورها قد يؤذي ويهلك الجميع، ولذا ومن هذا المنطلق اعتقد أن للإعلام بالسودان والصحافة عيناً ودوراً عظيماً في دعم مسارات الإيجابية على صعيد مشروعنا الوطني للحوار والذي هو ملك الجميع ولكل منا فيه دور وواجب. وقد توقعت عقب التطورات الكبرى والانفراج العظيم الذي تحقق في لقاء “أديس أبابا” التشاوري، أن تكون الصحافة حاضرة كذلك بسهمها في التنوير والتبشير وهي وقياساً على تعليقات المعلقين والرواة قد فعلت واجتهدت وأحسنت التقديم والعرض بيد أنها – إلا من رحم ربي – ارتدت فجأة على خانة الإرباك والارتباك.
بالأمس نقلت غالب الصحف تصريحات عن الوزير “ياسر يوسف” وزير الدولة للإعلام صدرتها بما يشي فرضية تفجر الموقف السياسي الجمعي المتماسك عقب وثيقة “أديس”، وملامح التقارب التي لاحت رغم أن مضمون الحديث يدلل على العكس والرجل سياسي رصين العبارة ملتزم المسار لا يتخطى الرقاب أو يدقها، الصحف نقلت عن “ياسر” تصريحاً بدا لي أن عناوينه تخالف محتواه وروحه، وقد صدف أني استمعت للتصريح عينه نقلاً عن الإذاعة السودانية – لقاء أجراه الزميل “مزمل سليمان حمد” – وتحدث فيه الوزير ولم يخرج عن تصريحه أول أمس والذي نشر مساء يوم التوقيع، وكان حديثاً موفقاً بشهادة المراقبين. وكل ما فعله “ياسر” أنه أعاد ذات المقاصد وأضاف عليها إشارات إيجابية. وصحيح أنه قال إن حزبه لا يعترف بالجبهة الثورية لكنه لم يتبع ذلك بلعن أو فجور في الموقف، وإنما بين بطريقة موضوعية أن الحكومة تتفاوض في قضية دارفور عبر منبر الدوحة للمنطقتين عبر “أديس أبابا”. وأضاف جملة إفادات أخرى كلها تستحق الإبراز وهي أهم من الاعتراف بالثورية أو لعنها !
كان واضحاً وجلياً أن المخبرين أو (من يهمه الأمر) بالصحف ولأغراض الإثارة وتسخين الصفحات الأولى، قد انتقوا جزئية صغيرة من التصريح وشيدوا عليها عمائر التهويل والمبالغة وتعاموا عن مواقف أكثر أهمية، من جدل من يعترف بمن والتي هي جزئيات امتداد لما سميته قبل يومين منهجية (سلخ النملة) عبر تتبع تفاسير ومعاني ما تم التوقيع عليه، وهل هو إعلان أو بيان أو اتفاق وهل اعترفت الحكومة بالثورية أم أن قطاع الشمال قد التزم جانب فكر جماعة الإخوان، وغيرها من استفهامات مفترضة لن تفعل شيئاً سوى وضع أجواء متفجرة للمواقف، ولو بتجزئة تصريح وإفراغه من جوانبه الجيدة المفيدة والتركيز فيه على موقف ما لمجرد أنه ساخن ويثير العطاس.
توقعت فعلاً أفضل مما رأيت وتقديراً للموقف أوسع إدراكاً وأكبر من مجرد تجميل الصفحات الأولى بمقالة ساخنة، لابد أنها أدهشت قائلها نفسه. والراجح أنها ستجعل هو نفسه – أي “ياسر يوسف”- في حيرة من هول ما هو طالع.