تقارير

هل بدأت خطوات تنازل «البشير» عن السلطة؟!

} انهالت الضغوط كثيفة على الرئيس «عمر البشير» من شخصيات وطنية، وقيادات في الحكومة، وأحزاب تقف في المنطقة الوسطى بين المعارضة والحكومة لقبول الترشيح لدورة جديدة تبدأ في العام القادم 2015م وحتى 2020م ليتنحى «البشير» حينذاك بعد أن تبلغ سنوات حكمه (30) عاماً، وهي أقل من السنوات التي حددها الشيخ «بلة الغائب» في نبوءته التي ظل يرددها في السنوات الأخيرة.. والضغوط على «البشير» للترشح للدورة القادمة لم تهبط فجأة بعد التغييرات الأخيرة في صفوف حزب المؤتمر الوطني، ولكنها تعود إلى سنوات مضت، حيث أثمرت الضغوط من قبل عن حمل الرئيس للترشح في الانتخابات الماضية، ولعب (كرت المحكمة الجنائية) دوراً في الترشح الماضي، وربما لعب دوراً حاسماً في قبول «البشير» بخوض انتخابات 2015م كدورة أخيرة، بعد أن تكشف في الساحة السياسية أن السيدين «محمد عثمان الميرغني» رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي والسيد «الصادق المهدي» رئيس حزب الأمة أكبر الداعمين لترشيح «البشير» لدورة قادمة، أكثر من قيادات حزب المؤتمر الوطني التي فتحت التغييرات الأخيرة شهية بعضها وارتفع سقف طموحاتها للقيادة في مقبل الأيام.. فهل يذعن الرئيس «البشير» لضغوط كثيفة تهاطلت عليه كالمزن في الفترة الأخيرة؟ أم يقدم على التغيير ليغادر هو في آخر مراحل خطته كرسي الرئاسة بعد ترتيب البيت الداخلي؟؟
} مغادرة الرئيس لكرسي الحكم العام القادم، خطوة من شأنها إثارة عواصف في بلد لا تنقصها الأزمات والفواجع إذا لم يسبقها ترتيب داخلي ما بين المؤسسة العسكرية والمؤسسات المدنية.. فالمؤسسة العسكرية حينما تخفق المؤسسات المدينة في الحكم وتعود دورة الصراعات السلطوية العقيمة، تجد نفسها مرغمة على ركوب دباباتها وسد طرقات المدينة وإذاعة البيان الأول.. ووجود شخصية عسكرية في أعلى السلطة يبعث الرضا في وسط المؤسسة العسكرية، ويحول دون الانقلابات العسكرية.. وبعد (25) عاماً من الحكم (المختلط)، فإن مغادرة الرئيس «عمر البشير» للسلطة دون ترتيبات (ضامنة) للاستقرار قد يفتح باب الانقلابات العسكرية واسعاً، لذلك تبدو حظوظ الفريق «بكري حسن صالح» النائب الأول لـ»البشير» حالياً في خلافته راجحة، والأقرب لتحقيق معادلة الشراكة بين المؤسسة العسكرية والمدنية، في حال إصرار الرئيس على مغادرة السلطة العام القادم وفشل الضغوط الكثيفة التي تمارسها الشخصيات الوطنية والطرق الصوفية وبعض أحزاب المعارضة والحكومة.. وقد جهر د. «الحبر يوسف نور الدائم» زعيم جماعة أنصار السُنّة المحمدية بموقف حزبه الداعم لترشيح «البشير» في الانتخابات القادمة، وقال إن الساحة خالية من وجوه شبابية قادرة على سد الفراغ الذي قد يحدثه تنحي «البشير».. وما يعزز صدقية حديث د. «الحبر يوسف نور الدائم» أن الوزراء الشباب الذين دفع بهم المؤتمر الوطني في التشكيل الأخير حتى اليوم (متوارون) عن الجماهير ووسائل الإعلام، وباستثناء البروفيسور «إبراهيم غندور» مساعد الرئيس فإن الحكومة الجديدة تنتهج الصمت التام والتواري عن الجماهير لشيء في حسابات هؤلاء!! وبدا موقف المؤتمر الشعبي أشرس المعارضين في الساحة يكتنفه الغموض الشديد، فالشيخ «حسن الترابي» منذ أن طالت التغييرات غريميه «علي عثمان محمد طه» ود. «نافع علي نافع» ظل صامتاً لا يتحدث عنهما بخير أو دون ذلك، لكنه مدّ جسور التواصل الاجتماعي والسياسي في دهاليز الصمت مع الرئيس «عمر البشير» شخصياً، وصدرت تصريحات يوم (الأربعاء) الماضي من د. «بشير آدم رحمة» بعد لقاء الرئيس الأمريكي الأسبق «جيمي كارتر» بالدكتور «حسن الترابي»، يقول فيها إن الشعبي يشترط تأجيل الانتخابات حتى 2017م لقبول المشاركة فيها.. ولا يبدو الشعبي رافضاً لقيادة الرئيس «البشير» الفترة الانتقالية حتى 2017م.. بينما ينتظر أن يلتقي الرئيس «عمر البشير» في الأيام القادمة بحزب الأمة والمؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي وأحزاب الحكومة الحالية، للاتفاق حول الدستور والانتخابات التي يسعى المؤتمر الوطني لإقامتها في موعدها العام القادم.
ويقول البروفيسور «إبراهيم غندور» عن الرئيس «البشير» إنه المرشح الأول والأخير لحزبه حتى اللحظة.. ولكن هل الرئيس لديه الرغبة في قيادة البلاد لخمس سنوات أخرى بعد أن قادها لمدة (25) عاماً، شهدت تغييرات كبيرة بانفصال الجنوب واندلاع الحرب في دارفور، ورغم ذلك حافظ الرئيس على تماسك السلطة وحفظ المعادلة الجديدة بين المؤسسة العسكرية والمدنية.
وبعد صعود الفريق «بكري حسن صالح» لمنصب النائب الأول، تبدت قدرات الرجل التنفيذية والسياسية، حيث استطاع «بكري» سد الثغرة التي خلفها تنحي الأستاذ «علي عثمان محمد طه» القائد التنفيذي وخليفة «الترابي» في الحركة الإسلامية.. وبدأ صعود «بكري» لكرسي الخلافة منذ اختياره نائباً لأمين الحركة الإسلامية «الزبير أحمد الحسن» في اجتماعات شورى الحركة الإسلامية الأخيرة، وهو يحظى باحترام وسط الإسلاميين، ويمثل وجوده ضمانة لاستقرار الحكم وسداً لأبواب قد تهب منها رياح الانقلابات والمغامرات العسكرية.. لأن العسكريين في وجود شخصية مثل «بكري حسن صالح» في منصب الرئيس سينتابهم الإحساس بأنهم أمناء على النظام الذي خرج من رحم القوات المسلحة بإشراف طبيب مدني (الحركة الإسلامية).. ولكن هل تلاشت فرص حكم السودان من خلال شخصية مدنية يقدمها المؤتمر الوطني؟؟
واقع الحال يقول إن فرص «علي عثمان محمد طه» للترشح لرئاسة الجمهورية أخذت في التضاؤل لعدة أسباب، أهمها أن «علي عثمان» من جيل المشير «البشير».. دخل المعترك السياسي منذ السبعينيات وظل فاعلاً في الساحة السياسية حتى اليوم، وقدم كل ما عنده في سنوات الإنقاذ، ونضب معين فكره، وفقد فرصته في تولي رئاسة البلاد بعد انفصال الجنوب والحملة الجائرة التي تعرض لها في الفترة الانتقالية وما بعد انفصال الجنوب، حيث سعى منافسوه داخل المؤتمر الوطني وخصومه خارجه لاغتياله سياسياً بوضع كل إخفاقات اتفاقية السلام وما ترتب عليها في حسابه الشخصي دون اعتبار لإيجابيات بعدد الحصى لاتفاقية السلام، وفقد «علي عثمان» في التغييرات المتتالية وآخرها التشكيل الأخير كل رجاله المخلصين، أو يفترض أن يخلصوا له، وبات نفوذه داخل حزب المؤتمر الوطني ضعيفاً جداً عطفاً على أن «علي عثمان» شخصية مدنية رغم اقترابها كثيراً من المؤسسة العسكرية، إلا أن من يخرج من صلب الجيش مثل الفريق «بكري حسن صالح» يظل الأقرب وجدانياً للضباط والجنود.
أما الدكتور «نافع علي نافع» الأصغر سناً من «عثمان» و»البشير»، فإن فرص ترشحه لخلاف «البشير» أفضل من كل القيادات في حزب المؤتمر الوطني، فالرجل يتسم بصفات نادرة جداً.. سياسياً يبدو ظاهره كباطنه، صادق فيما يقول، ويملك ذهنية حاضرة وبساطة في سلوكه الشخصي، إضافة إلى نزاهته وبياض سيرته وتدينه كمطلوبات شخصية ضرورية.. وللرجل رصيد ونفوذ واسع في الحكومة الحالية وقيادة حزب المؤتمر الوطني، ولكنه لا يحظى بقبول وسط المعارضين لصرامة تعابيره وحدتها في بعض الأحيان.. لكن الصورة التي تشكلت في مخيلة (المتلقين) لا تعبر عن حقيقية شخصيته، ومعادلات السلطة الداخلية في المؤتمر الوطني ترجّح كفة «نافع» لخلافة «البشير» في حال فشل الضغوط التي تُمارس على الرئيس لخوض تجربة الانتخابات القادمة.. ولكن السؤال: لماذا يبدو السيدان، «الميرغني» و»المهدي»، أكثر حرصاً على ترشيح «البشير» في الدورة القادمة؟؟
إن مصلحة (السيدين) تقتضي استمرار «البشير» في السلطة لمدة أقلها خمس سنوات أخرى، حتى يشتد ساعد المساعدين «عبد الرحمن الصادق» و»جعفر الصادق الميرغني» الطامحين في وراثة والديهما لقيادة الحزبين التقليدين.. وتولى «البشير» من خلال تعيين (السيدين الصغيرين) تدريبهما في القصر الجمهوري، الشيء الذي يؤهلهما في مقبل الأيام لرئاسة الحزبين العريقين، وما قام به «البشير» نحو «الصادق» و»الميرغني» لا يستطيع «الميرغني» أو «الصادق» القيام به تجاه أبنائهما، فنفوذ السيدين داخل حزبيهما آخذ في التلاشي، وتعددت أوجه التمرد على السيدين خاصة في حزب الأمة القومي، فالسيد «محمد عثمان الميرغني» يملك قدراً من السيطرة.. وتحالف السيدين مع «البشير» خلال السنوات الماضية قد أضعف من قبضتهما على الحزبين، فهل تكاثف الضغوط على «البشير» ومعادلات السلطة داخل المؤتمر الوطني وتحالفاته مع السيدين ستحمله على خوض الانتخابات القادمة؟ أم يتمسك بخيار المغادرة وترتيب البيت الإنقاذي بعقد بيعة داخلية للجنرال «بكري حسن صالح» لخلافته؟؟
} دارفور.. نفق الحرب الجديدة
} في الوقت الذي نشطت فيه مبادرات السلام، وتوحدت مبادرتا (أم جرس) والسلطة الانتقالية، وانعقاد لقاءات مهمة في كمبالا وأنجمينا، حيث التقى «حسن برقو» القيادي في المؤتمر الوطني وأحد رموز الزغاوة بكل من «مني أركو مناوي» ود. «جبريل إبراهيم» في كمبالا من أجل فتح ثغرة في الجدار المسدود بين الحكومة وأكبر حركتين متمردتين في دارفور.. ثم لقاء السيد «برقو» في أنجمينا بالرئيس التشادي «إدريس دبي» لتحريك ذات الملف! في ذات الوقت، صعّدت حركة تحرير السودان بقيادة «أركو مناوي» من هجماتها العسكرية على عدة مواقع في جنوب وشمال دارفور بعد هدوء شهدته دارفور طوال العام الماضي بانتقال قوات «مناوي» وقوات العدل والمساواة إلى كردفان في إطار تحالف الجبهة الثورية والقيام بعمليات عسكرية وصلت إلى (أم روابة) و(أبو كرشولا)، إلا أن تحالف الجبهة الثورية الذي ينهض على أنقاض ما يعرف بجبهة المهمشين قد بدت عليه علامات التصدع و(فرز الكيمان)، حيث اتجهت حركة العدل والمساواة إلى داخل العمق الجنوبي لتقاتل إلى صف د. «رياك مشار» وتمارس النهب والسلب في إقليم أعالي النيل وولاية الوحدة، وأصيب مكون الجبهة الثورية (الجيش الشعبي قطاع الشمال) بصدمة وخيبة أمل في قيادته، وترتبت على حرب الجنوب حيرة في أوساط متمردي قطاع الشمال، باعتبار أن «مشار» و(أولاد قرنق) الذين يقاتلون إلى صفه هم الأقرب فكرياً ووجدانياً إلى «عبد العزيز الحلو» و»عقار» و»عرمان».. ولكن مصلحة قطاع الشمال أن لا يفقد دولة الجنوب التي يسيطر عليها «سلفاكير»، خاصة بعد سيطرة القوات الحكومية على ملكال وبور.. في هذا المناخ اختار «مني أركو مناوي» العودة إلى دارفور وتنشيط جبهة عملياته على نطاق واسع جنوباً وشمالاً، وغادرت قوات «مناوي» نهائياً جبال النوبة واتجهت إلى جنوب دارفور الكبرى وتمركزت في مناطق (شعيرية) ومحليتي (السنطة) و(قريضة).. وهاجمت قوات «مناوي» الأسبوع قبل الماضي محلية (السنطة)، واستهدفت السيارات ذات الدفع الرباعي والوقود والدقيق والسكر، ونهبت ست عربات بما في ذلك عربة معتمد محلية (السنطة) التي تخلو من وجود قوات مسلحة.. ويقول اللواء «آدم جار النبي» والي جنوب دارفور إن مجموعة من منسوبي حركة «مناوي» عادت من تلقاء نفسها في الأيام الماضية وسلمت أسلحتها والعربات التي كانت بحوزتها، الشيء الذي أغضب «مناوي» وسعى لاسترداد العربات والأسلحة وشن هجمات على المنطقة.. وقال إن ترتيبات عسكرية قد وضعت للحيلولة دون تمدد «مناوي» في المنطقة.. ويوم (الأحد) الماضي هاجمت قوات «مناوي» منطقة (قريضة) ونهبت ثلاث سيارات، وقتلت ثلاثة مواطنين واثنين من أفراد الشرطة، ونهبت كميات كبيرة من الوقود الذي يتبع لقوات الأمم المتحدة.. ونفى الوالي الأنباء التي ترددت عن استيلاء المتمردين على عربة معتمد محلية (قريضة)، إلا أن المحلية فقدت جميع العربات الحكومية وسيارة تتبع للشرطة.. ويوم (الأربعاء) هاجمت قوات التمرد التابعة لـ»مناوي» مسقط رأس رجل الأعمال «صديق ودعة» مدينة (كلميندو)، في الوقت الذي يوجد فيه «صديق ودعة» في العاصمة التشادية أنجمينا ويعقد لقاءً بالرئيس التشادي «إدريس دبي»، ولكن للتمرد أطماعه على الأرض!! فهل انتهى شهر العسل بين فرقاء الجبهة الثورية، واتخذ «مناوي» لنفسه طريقاً وحده بفض تحالفه مع العدل والمساواة وقطاع الشمال والعودة إلى دارفور ليمارس الهجوم على المدن والقرى والسلب والنهب؟؟
حركة «مناوي» تعدّ أكثر الحركات المتمردة إضراراً بالمواطنين ونشاطاً في دارفور، ولها أجندتها المحلية بدخولها طرفاً في الصراعات القبلية، خاصة تلك التي طرفها الزغاوة مع آخرين.. وتملك حركة «مناوي» قوة كبيرة من المليشيات غير المنظمة، لذلك (يتخوف) أهل دارفور من وجود «مناوي» أكثر من حركة العدل والمساواة التي لها حسابات سياسية، وهي الداعم الأكبر للجبهة الثورية، بينما لا يبدو «مناوي» على قناعة بالقتال خارج حدود دارفور التقليدية!! لذلك عادت قواته لممارسة نشاطها القديم في النهب والسلب وتهديد أمن الأهالي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية