غضبك جميل زي بسمتك!!
} شدة الغضب والانفعال والتوتر وسرعة الاستجابة للمثيرات الخارجية ورد الفعل العنيف، وكذلك الرغبة في (فش الغبينة) بصورة عاجلة، وغيرها من صور الحماقة وفقدان روح الحلم والتروي، وما يصاحبها من إفرازات ونتائج وخيمة من الشخص الغاضب والمغضوب عليه.. كلها أصبحت الآن تستاثر بالاهتمام الطبي والبحث العلمي في هذه الظاهرة الحياتية المثيرة للاهتمام.
} والغضب الآن صار يعتبر مرضاً تنشأ له العيادات والمراكز المتخصصة في علاجه بالسيطرة على الانفعالات والتعامل بروح متوازنة مع الأشياء والمواقف التي توجع القلب، وما أكثرها هذه الأيام!!
} ونجد الأعراض تشمل سخونة الجسم – ونسمع مقولة (زعّلني لمّن سخنت)!! – بجانب (طشاش) العيون وفقدان القدرة على الإبصار بصور مؤقتة – (زعلت لمن ما قادر أشوف قدامي) – وهناك جفاف الفم والشعور بطعم المرارة والحنظل و(الجردقة في رواية اخرى)!!
} وتمتد آثار الغضب لتشمل (الحرقان) في الجوف و(الحشى) والشعور بوجود (حاجة واقفة لي في حلقي)!! والغصة و(العبرة) التي تخنق، والشعور كذلك بالدوار، والإغماء غضباً احياناً.. حيث نجد في الحوادث أشخاصاً (وقعوا من طولهم) بسبب الغضب الشديد.. وقد تحدث لهم أزمات قلبية مفاجئة تجعلهم يلتحقون بالرفيق الأعلى!!
} أما آلام البطن وضيق النفس والصداع والرجفة وغيرها.. فكلها أعراض تندرج تحت هذا الباب (باب الغضب) الذي يتأذى منه الجسم و(الضغط) كثيراً كثيراً.
} وبسبب بعض العوامل الوراثية والمكونات الجينية (وليس الجنية) فإن بعض القبائل والإثنيات اشتهرت بشدة الغضب والاستثارة (وليس الاستنارة)!! وروي عنها الراوي الشعبي النكات والقصص والأحاجي.. بالحق حيناً وبالباطل أحايين أخرى، وسارت بذلك الركبان في القرى والوديان.. وعندنا في المستشفيات كمان!!
} كما اشتهرت مجموعات سكانية أخرى بطول البال والصبر والحلم، لذا تقل عندهم الأمراض ذات الصلة بارتفاع معدلات الغضب و(النرفزة)، وتجدهم يساعدون في حل الخلافات و(الشمطات) بين الآخرين، ويلعبون دور (الحجاز) والجودية والوساطات بحرفية بالغة، ولذا يمكن الاستعانة بهم في حلحلة (التشابكات) و(الشربكات) في السوح السودانية بمختلف اتجاهاتها، لعل وعسى.. و(الأرضة جربت الحجر)!!
} ومعالجة الغضب تتطلب بذل الكثير من الجهد والتعاون بين (الغاضب) والمعالج، وكذلك توفير الدعم من الأسرة والأصدقاء والوسط المحيط. وهنا نذكر أن السيد المسيح عليه السلام “عيسى ابن مريم” قد ذكر صعوبة علاج الغضب في قوله لتلاميذه في إحدى مواعظه على شاطئ النهر: (لقد داويت الأكمه والأبرص وأحييت الميت بإذن الله، ولكن اعياني الأحمق)!!
} وتداول الأدب والتراث العربي أخبار الحمقى والغاضبين، وضموا إليهم أخبار المغفلين، ونحن نضم إليهم أخبار (الداقسيبن) أيضا!! وذكروا “الكسعي” وحماقته التي (قرم) بسببها إصبعه ندماً على سهامه التي كسرها بعد صيد وفير ظنه بسبب الحماقة والغضب والتسرع (فشلاً).. وقد اشتهر بعد ذلك عض الإبهام كدلالة على (الغضبة)، كما خلد ذلك الغناء السوداني في رائعة شاعر الطبيعة “مصطقى بطران” :
زمن الربيع حلا وفتح الزهر بسام
جلت عن التصوير صعبت على الرسام
أقضى الليالي هجود عاضض على الإبهام !!
} ومن ينظر لحالنا الان في مختلف المجالات، السياسية والرياضية والاجتماعية وغيرها، لا يندهش من عدد الذين يعضون على أصابع الندم ويكتمون الغضب داخلهم ألماً ومرضاً وأرقاً ورهقاً!! وحتى لا يفكروا في نهايات “الساموراي”، نحن نقول لهم:
طرفك كحيل يا جميل لا تعلموا الإجرام
واعلم بأن الموت عمداً يعد حرااام!!
} و.. (غضبك جميل زى بسمتك)!!