«محمد الأزهري» و«محمد عصمت».. صداقة المبادئ على دفتر الاتحاديين !!
التاريخ يبلور على صفحات لامعة صور الصداقة الشخصية التي تتحول إلى علاقة وجدانية على ركائز المبادئ والأفكار السياسية التي ترتبط بحبل ممدود من التنسيق والتفاهمات والرؤى المشتركة، وبذات القدر تتغير عجلة المبادئ الراسخة في التكاليف العامة إلى ينبوع نادر من الصداقة القوية في وجه العواصف والرياح العاتية.
هنالك نماذج حية في العصر الحديث تؤطر ملامح تلك العلاقة الثنائية على حبائل السياسة والحميمية الشخصية، حيث توجد العلاقة النادرة بين الإمام “الصادق المهدي” والمرحوم الدكتور “عمر نور الدائم” فضلاً عن إيقاعات الرابطة الثنائية القوية بين الرئيس الأمريكي الأسبق “نيكسون” ووزير خارجيته “هنري كيسنجر”.
وإذا حاولنا إضاءة المصابيح حول نموذج صداقة المبادئ في باحة الاتحاديين بمختلف تياراتهم، فإننا نجد صورة العلاقة الاستثنائية بين الزعيم الراحل “محمد إسماعيل الأزهري” والأستاذ “محمد عصمت يحيى” القيادي بالاتحادي الموحد تمثل الأنموذج الأول الذي يحكي محطات تلك الصلة الوجدانية من خلال أطروحات سياسية مبرمجة ومنعطفات فلسفية طويلة مليئة بالألق والأشواك والحيوية والجمال والمتاريس؟؟ فالعلاقة بين “محمد الأزهري” و”محمد عصمت” كانت تعكس مثالاً رائعاً في التحالف والتكاتف على طريق إزالة العتمة في الحركة الاتحادية وملامسة الأعماق السحيقة لرغبات قواعد حزب الوسط الكبير، وقد كانت الرؤية الثاقبة بين الاثنين تتجاوز أسوار دار الزعيم “إسماعيل الأزهري” إلى رحاب جميع الاتحاديين بالداخل وعلى امتداد المهاجر.
فالشاهد أن “محمد الأزهري” و”محمد عصمت” كانا يتحدثان بلسان واحد ورئة مشتركة في إطار الجدول والبرنامج على أعتاب المحاججة والتشاور بعيداً عن الماعون الصمدي والحشوة الصماء! كان الرجلان شريكين في خطوات كثيرة على دروب الاتحاديين أبرزها محاولة تأسيس صيغة (خط القواعد) القائمة على تصعيد الأعضاء في الأحياء والفرقان إلى الدرج الأعلى من خلال الديمقراطية الصحيحة والاختيار المباشر.
كان “محمد عصمت” عالماً بأحوال “محمد الأزهري” ومزاجه وأفكاره وإيحاءاته وعارفاً بدواخله إلى حد كبير وها هو يتحدث عن قدرات الراحل الإبداعية في مجال الآداب والفنون والثقافة وكيف أن “محمد الأزهري” يملك أكثر من خمسة عشر لحناً نظمه للمجموعة الكورالية للحزب، فضلاً عن مواهبه الساطعة في الرياضة الملكية وركوب الخيل والسباحة وصياغة الحاسوب.
في الصورة المقطعية عندما انتقل “محمد الأزهري” إلى الرفيق الأعلى انتحب “محمد عصمت” خليله بالدموع السخية واللوعة الحارقة في الوجدان ولم يستطع مقاومة الصدمة العاتية، وقد ظهر ذلك على ملامحه وتحركاته فقد اعتبر موت “محمد الأزهري” بعضاً من موته، وراح “محمد عصمت” ينثر على خليله أكاليل الوفاء والذكرى الطيبة، حيث لم يكتف بإنجاب “محمد الأزهري” (الصغير) بل كان يتابع ظهوره على أصلاب الاتحاديين، وأذكر أنه على المستوى الشخصي وصلتني رسالة نصية على موبايلي من الشقيق “محمد عصمت” في يوم 20/2/2013م، جاء فيها (أطل علينا “محمد الأزهري” رقم (11) في دنيا الشقيق “هيثم عبد الله” قائلاً في ختام رسالته.. (ما أروع الوفاء أمام الجحود).. هكذا يرصد “محمد عصمت” طلوع “محمد الأزهري” على المخيلة الوجدانية من الأرحام.
في السياق اعتبر بعض الاتحاديين على رأسهم الأستاذ “عثمان إدريس” بأن رحيل “محمد الأزهري” يمثل إشارة خضراء بزوال وجود الاتحادي الموحد، غير أن “محمد عصمت” راهن على روح “محمد الأزهري” لتكون الأكسير السحري والرافعة الذهبية لاستمرار الاتحادي الموحد في القيام بدوره حتى يحقق الأهداف المرجوة، فكان مشاركاً وفاعلاً خلال ذلك الظرف لكن سرعان ما حدث التقاطع بينه وبين حزبه في بعض الأمور، فالواضح أنها خلافات الأناقة وقدسية الفكر الثانية المجافية للشطط والغلواء.
وربما يكون الشقيق “محمد عصمت” بعد التطورات الأخيرة مع حزبه يعكف على قراءة المشهد السريالي والواقع المحيط كلية وأنه ينظر إلى النافذة يتأمل أموراً كثيرة كانت يمكن أن تصبح في أوضاع أخرى لو أن خليله كان على قيد الحياة، فالشاهد أن الرجل يحاول القراءة بعين فاحصة بعيدة عن الأوهام.. ينعكس بين ثناياها صمت الكادر الاتحادي العريق صاحب القدرة العالية على سبر الأغوار.
وفي الختام رأيت أنه لا يمكن أن يمر احتفال أهل الحركة الاتحادية بالذكرى الـ(58) للاستقلال سيما في دار الزعيم “الأزهري” دون الإشارة العميقة إلى مدلولات العلاقة بين “محمد الأزهري” و”محمد عصمت” التي تمثل صداقة المبادئ على دفتر الاتحاديين، ومن هنا كان هذا الحديث عن أبعاد تلك العلاقة التاريخية لازماً وواجباً ويبقى الوقوف على أبعادها شيء ضروري ومطلوب.