خازوق أبيي (2)
{ التباين والاختلافات السياسية بين القيادات الجنوبية تذوب وتتلاشى بمجرد أن تتعلق قضية ما بالسودان.. و”أبيي” عاطفياً من القضايا التي تتحد حولها مشاعر الجنوبيين، لذلك يرفعها الآن الدكتور “مشار” من وراء حجاب لإحراج “سلفاكير” أمام شعبه.. ودولياً لا يجد موقف حكومة السودان سنداً في الاتحاد الأفريقي أو مجلس الأمن، ويتعرض “ثامبو أمبيكي” لضغوط عنيفة لتنفيذ اتفاق خارطة الطريق، الذي وافقت الحكومة على جزء منه وكفرت بالجزء الآخر.
ومجلس الأمن والسلم الأفريقي أقر إجراء استفتاء لدينكا نقوك في أكتوبر 2013م للاختيار ما بين الانضمام لدولة الجنوب أو البقاء في الشمال وبحدود أبيي التي أقرها الطرفان في لاهاي بعد صدور قرار محكمة التحكيم الدائم الملزمة والنهائية. ومنطق الدول الأفريقية و”ثامبو أمبيكي” وكثير من الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن أن المشكلة في أصلها اقتطاع جزء من إقليم بحر الغزال في عام 1905م من قبل الحاكم الإنجليزي حينذاك وضمه لإقليم كردفان، وأن سكان المنطقة التي اقتطعت هم تسع من مشيخات دينكا نقوك، والآن من حق هؤلاء العودة بأرضهم لبحر الغزال أو البقاء نهائياً في شمال السودان، وبالتالي يتم استفتاء الذي اقتطعت أرضه وليس شخصاً آخر بأي حال.. ومنطق هؤلاء يجعل المسيرية خارج دائرة الفعل، ولا يحق لهم المشاركة في الاستفتاء كثُر عددهم أو قل.. تلك حقيقة يؤمن بها الأفارقة حكومات ومجلس سلم وأمن واتحاداً، ومن وراء كل هؤلاء مجلس الأمن.. فكيف يتم إشراك المسيرية في الاستفتاء المنتظر وهم بلا ظهر يسندهم ولا دولة تشاطرهم الأحزان إلا حكومة السودان، التي يستعصى عليها الوقوف وحدها في الساحة حال خسارتها للدول الأفريقية؟!
{ ومقابل منطق استفتاء أبيي حصرياً على دينكا نقوك، يتمسك المسيرية وحكومة السودان بنصوص اتفاقية السلام ومبادرة السيناتور “جون دانفورث” في 19 مارس 2004م، التي تمثل المدخل لقضية حل النزاع في أبيي، حيث أقرت الاتفاقية بحق دينكا نقوك والسودانيين الآخرين في المشاركة في استفتاء يتم إجراؤه متزامناً مع استفتاء الجنوبيين للاختيار ما بين الاستقلال والبقاء في الدولة الموحدة، وتعثرات التفاهم الداخلية بالأمس قادت لتعقيدات اليوم.
{ وأبيي ينظر إليها كقضية بين قبيلتين المسيرية ودينكا نقوك حيناً وبين الدولتين حيناً آخر.. وبذات منطق توازن القوى في دولة الجنوب والضغوط الكثيفة والابتزاز الذي تتعرض له حكومة دولة الجنوب من أبناء أبيي وحلفائهم من قيادات النوير مثل د. “رياك مشار”، فإن حكومة السودان أيضاً تتعرض لضغوط كثيفة جداً من المسيرية تجعلها غير قادرة على الإقدام على حلول مع دولة الجنوب بشأن أبيي إلا بموافقة المسيرية وقيادات المسيرية المنتفذين في مفاصل الحكم، حيث بات بعض قادة المسيرية يلعبون دوراً مؤثراً في معادلات الحكم كالدكتور “عيسى بشري”.
{ فهل تجهض قضية أبيي التفاهمات التي انسابت بين القيادات العسكرية في البلدين؟ وهل قضية بهذا التعقيد يمكن حلها من خلال اللجان العسكرية المشتركة أم بإرادة سياسية لـ “البشير” و”سلفاكير”؟ وإذا استوت العلاقات على جادة المصالح والتفاهم والتكامل.. فهل المسيرية ودينكا نقوك لا يهدأ لهم بال إلا بتسلّم شهادات بحث تؤكد ملكيتهم لأرض اسمها أبيي.. لا تعبد في حد ذاتها، ولكن ينتفع من خيراتها في الظاهر والباطن.