هل رفع الدعم سيحل عجز الميزانية؟!
بعد كارثة السيول والأمطار التي خربت ديار المواطنين وحولتها إلى أنقاض وجعلتهم متسولين في انتظار إغاثات الداخل والخارج.. بدأ همس في كل المجالس، وربما وصل إلى صفحات الصحف عن نية الدولة رفع الدعم عن المحروقات البترولية، وهذا الهمس بمثابة جس النبض لهذا المواطن الغلبان وما مدى ردة الفعل عندما يخرج هذا الهمس إلى العلن.
المواطن المسكين لا حيلة له مع زيادات الدولة وجشع التجار إلا الصبر.. لأن الدولة إذا أرادت أن تفعل شيئاً ستفعله مهما كانت ردة فعل المواطن.. وقد فعلت الدولة الكثير ولم تراع ظروف المواطن الذي صبر عليها منذ عام 1989م عندما تجلد وتحلى بالصبر وشرب الشاي بالبلح وبالحلوى وأكل مويه الفول إن كانت موجودة، وتغذى بالترمس والكبكبي على أمل أن تنقشع الأزمة ويعود المواطن إلى حياة الدعة والرفاهية، ولكن ما إن خرج المواطن من أزمة حتى حلت به أزمة أخرى، ورفع الدعم عن المحروقات لم يكن القرار الأول ولن يكون الأخير لدى الحكومة طالما هي نفسها تعيش في ضائقة لم تنفع معها كل الوصفات الاقتصادية.
في صحيفة (الرأي العام) الصادرة أمس، أجري حوار مع الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق “عبد الرحيم حمدي”، وفي حديثه قال إنه مع رفع الدعم عن كل السلع عدا الخبز والأدوية، ونقول للسيد الخبير الاقتصادي إن المكاسب الاقتصادية التي ذكرتها نتيجة لرفع الدعم عن المحروقات لن يجني ثمارها هذا المواطن الغليان الذي لم يتجاوز مرتبه الثلاثمائة جنيه، وهو لا يكفي (حق مواصلات) إذا رفع الدعم عن المحروقات.. حقيقة أن عملية التنظير في المجال الاقتصادي سهلة، وما وقع فيه الاقتصاد السوداني كان بسبب أولئك الاقتصاديين الذين لم يقدموا وصفات تعالج أس المشكلة الاقتصادية وتجنيب المواطن آثارها السالبة.. لقد عانت ميزانية الدولة منذ أن خرج بترول الجنوب منها، وظللنا نتخبط في إيجاد البديل لرتق عجز تلك الميزانية و(الحيطة القصيرة) لتلك المعالجات رفع الدعم عن المحروقات البترولية، وكلما رفع الدعم عن المحروقات نجد السوق قد اشتعل ولا أحد يستطيع وقف جماحه.. فالرفع السابق فاقم من المشكلة ولم يحلها نهائياً.. تعريفة المواصلات ارتفعت بصورة جنونية، والمواطن محتاج يومياً لركوب المواصلات العامة، وقد يحتاج أكثر من خمسة عشر جنيهاً من منزله إلى مكان عمله، أما الطلبة فحدث ولا حرج، وحتى التعريفة التي وضعتها الولاية لا يُعمل بها، والتعريفة التي قيل إنها زيدت بنسبة (25-30%) أصبحت أكثر من (50%)، وأصحاب المركبات لا يعيدون للركاب ما تبقى لهم، بل يضاعفون الأجرة في الأوقات التي يقل فيها عدد المركبات ويستغلون حاجة المواطن للمركبة.. لذلك لا نتوقع أن يتحسن الوضع الاقتصادي برفع الدعم عن المحروقات، رغم أن وزير المالية الأسبق “حمدي” يقول إن رفع الدعم سيوفر مبالغ مالية ضخمة للميزانية وسينعكس مالياً على إيراداتها.
الدولة حاولت أن تحدث تقشفاً نتيجة لهذا العجز بتخفيض العدد في الجهاز التنفيذي، من وزراء ووزراء دولة ومستشارين، وسحب العربات الزائدة عند الوزير أو المسؤول، ولكن ما أن هدأت العاصفة حتى عادت الأمور إلى طبيعتها، ومن أخذت منه سيارة أو (بوكس) أعيد إليه بصورة ما، و(كأنك يا أبو زيد ما غزيت).. فنحن نحتاج إلى خبراء اقتصاد من الخارج لا الداخل لحل مشكلتنا الاقتصادية وسد عجز ميزانيتنا، وبالتأكيد الخبراء من الخارج لا يجاملون كما يجامل أهل اقتصادنا.
} آخر الكلام:
نأسف لعدم صدور العمود أمس واليوم عن نشأة الحركة الإسلامية بالمهدية، وسنخصص لها يومين في الأسبوع بإذن الله.