«علي عثمان».. فاتورة الرحيل فوق المنضدة!!
لوحة متشابكة من الإرهاصات والأقاويل والإشارات الكثيفة صارت ماثلة للعيان في المسرح السوداني حول الإعداد الذي يجري في الخفاء من قبل مجموعة حكومية لإحداث تغيير ملحوظ في هيكلة الدولة، وزادت الوتيرة عن وجود توقعات رائجة بخروج الأستاذ “علي عثمان محمد طه” من القصر الجمهوري وذهابه إلى منزله، بينما ذكرت بعض الاستنتاجات بإمكانية تقلده منصب رئيس البرلمان!
في الصورة المقطعية لا يعتبر إعفاء الساسة الكبار أصحاب الكاريزما والبصمات العميقة من الحكم والصولجان بدعة في دروب العمل السياسي ولا خطوة شاذة، فالتاريخ يشير إلى قيام الرئيس الأسبق “النميري” بإعفاء “أبو القاسم محمد إبراهيم” الذي كان يسمى درع مايو من منصبه الرفيع، كان يومذاك نائبه الأول، وبذات المستوى كان قرار الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر” بإقصاء اللواء “محمد نجيب” الذي كان يعتبر الأب الروحي لثورة 23 يوليو 1952م، وفي الذهن خطوة أمير (قطر) السابق بإقالة والده من سدة الحكم.
السؤال المركزي.. هل يمكن صدور قرار بإعفاء الأستاذ “علي عثمان” من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية.. وهل يوافق الرجل على رئاسة المجلس الوطني في حالة وقوع الأمر؟.
الإجابة البليغة.. ترتكز على إدراك الرؤية العميقة والمدروسة عن خصوصية ومزايا “علي عثمان” في تركيبة الإنقاذ والتحديق البعيد في مشواره الطويل مع بني جلدته، وكيف ظل يمثل الكتلة الدماغية والحركية والفلسفية في التنظيم مروراً بدوره الاستراتيجي في التأمين حتى الوصول إلى مرحلة التمكين، في ثنايا هذا الشريط الحافل هنالك من يرى أن السياسة لا تعرف المجاملات والعواطف و(الطبطبة) على الكتوف غير أن حسابات المنطق والواقعية تجعل تلك الآراء تتهاوى كأوراق الخريف اليابسة، فالشاهد أن لكل حالة نكهة مختلفة وأوضاعاً متميزة وفضاءات استثنائية، وبذلك تؤكد الصورة الصحيحة على أن “علي عثمان” في محراب الإنقاذ ليس “أبو القاسم محمد إبراهيم” ولا “محمد نجيب” ولا يعبر عن الوراثة ولا يمكن النظر إليه من باب المكانة الدستورية الرفيعة دون التوغل في النواحي الأخرى.
وفي الإطار يرى البعض أن الأستاذ “طه” لن ينزل الدرج ليكون رئيساً للبرلمان سيما وأن حزبه حائز على الأغلبية الميكانيكية التي تساعده على تحقيق ما يريد دون كثير عناء.
إذا حاولنا ملامسة الافتراضات من خلال إمكانية صدور قرار بخروج “طه” من السلطة، فإن ذلك يعني ظهور فاتورة باهظة فوق المنضدة تؤدي إلى ارتجاج الميزان في باحة المؤتمر الوطني، حيث لا يختلف اثنان على أن “علي عثمان” يعكس الروح المدنية الإخوانية المعتدلة في التوليفة الحاكمة، وأن رحيله يؤطر إلى تمدد الدوائر الاحتكارية في الحزب الحاكم التي تستخدم الحيلة والقوة في آن واحد للبقاء في السلطة والتعامل مع القوى السياسية الأخرى، وكذلك فإن غياب “طه” يؤدي إلى إضعاف الفكر الانفتاحي وضخ الدماء المندفعة في عروق الخط المتشدد في ظروف بالغة التعقيد تنبئ عن حدوث اختبارات قاسية للحكومة من المجتمع الدولي خلال المستقبل.
لا يفوت على أحد أن فاتورة إقصاء “الترابي” أدت إلى تأسيس الحزب الشعبي الذي صار الخصم الشرس للمؤتمر الوطني وبذلك لا يعرف أحد كيف تكون فاتورة ذهاب “طه” الذي يراه الكثيرون بأنه يشكل عظم الظهر للإنقاذ.
على المستوى الشخصي شاهدت اهتمامات “طه” بعملية التواصل الاجتماعي خلال شهر رمضان المنصرم عندما كان في ضيافة رجل الأعمال “الزاكي التيجاني” وهو يزور منزل صديقه القطب الاتحادي الراحل “التيجاني محمد إبراهيم”، فشعرت بأن الرجل يحوز على الجانب الوجداني الاجتماعي أسوة بمساهماته الواضحة على صعيد السياسة والتكاليف العامة.
مهما يكن فإن قوة الانفجار بين المادة والجسم المضاد شيء مهول يفوق كل خيال.