الاعمدةشهادتي لله

رحل “محجوب” .. وتوشحت الأرض بالرماد

نزلت بي الفجيعة صباح اليوم نزول الصاعقة ، حين داهمني النبأ المُر .. برحيل أخي وصديقي الصحفي الإنسان “محجوب عبدالرحمن” رئيس القسم الرياضي بصحيفة (المجهر السياسي) ، فإنه فقدٌ جلل ومصيبةٌ عظيمة، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
كان “محجوب” واحتنا الظليلة نستجم تحتها من هجير الدنيا وحرّ النفوس، تشعر معه أنك في زمان غير الزمان الأغبر ، وبشر غير البشر، ترفرف به روحٌ سامية ونفسٌ نقية عبقرية وقلبٌ أبيضٌ كبير.
كان ملاكاً يمشي بين الناس، يسقيهم من كؤوس نهر المحبة الدافق في جوانحه حتى يرتووا، يسعد بخدمة الناس مَن يعرف و مَن لا يعرف ، يسابق الدنيا غير آبه لها ، ليلقى الله ، خفيفاً .. نظيفاً .. لطيفاً ، ويغمض عينيه مفارقاً الفانية .. بذات الوجه الصبوح والابتسامة العريضة.
الله .. الله .. يا “محجوب” .. مَن لنا مِن بعدك في خدمة المحتاج ونجدة الملهوف وعيادة المريض؟
الله .. الله يا “محجوب” .. مَنْ بعدك للملمات .. وجمع الأحباب في الأفراح والأتراح.. وأنت اليوم ترَحنا الكبير وحزننا المقيم ؟
نفقدك اليوم أخاً بعمق الأخوة، وصديقاً صدوقاً ، وفياً حفياً بالأصدقاء ، لا يعرف خصاماً أو عتاباً أو غبينة.
رحل عن دار الخصومة بلا خصوم ، لا نعرف له عدو ، ولا ينبغي ، فاعتلت روحه الطاهرة إلى ربها في السماء ، بيضاءَ خاليةً من الشوائب ، (بضبط المصنع) كما أبدع الخالقُ الباريء ، رجعت -بإذنه تعالى- راضيةً مرضية، لتحلِّق بعيداً عن دنيا الشرور والغرور والمظالم.
كنت أخاف عليه ، في موجة الكورونا الأولى ، والبلد مغلقة والكباري مسدودة ، والصحيفة متوقفة بسبب الجائحة ، لكن “محجوب” لا يتوقف ، ودون تكليف من أحد ، يأخذ قائمة المرتبات ، ويصر على أن يصل بسيارته الخاصة بيوت زملائه وزميلاته المحررين والمحررات في بحري والخرطوم وأم درمان ليسلمهم مرتباتهم واحداً بعد واحدة !!
نجا من الكورونا بقلبه الكبير ، فداهمه فشل الكُلى مؤخراً ، فخضع للغسيل عدة مرات ، تحت إشراف زوجته المكلومة دكتورة “سهير” استشارى الكلى – ربط الله على قلبها وألهمها الصبر والسلوان وأسرته الكبيرة في حي الصحافة – وكنتُ أظن أنها وعكة عابرة و قد توقف الغسيل ، إذ لا يجيبني عندما أساله من على البعد : هل توقف الغسيل ؟ ويبدو أنه كان يقاوم الألم ليعود ضاحكاً لمشروعه الاجتماعي العظيم في خدمة الناس !
كان دائم الاتصال معي لأكون داخل دائرة الخير التي كان يمثل مركزها ، يخبرني بفرح فلان ومشكلة فلان ، ويسعى في مساعدة فلانة ، و يدفع نصف مرتبه لأصدقائه ومعارفه المحتاجين ، ويتعجب زملاؤه في قسم الحسابات لأمر هذا الرجل الغيث ، الذي لا يخشى الفقر ويؤثر الآخرين على نفسه !
فقدُك فاجعة .. يا “محجوب”.. والموتُ نقّاد .. اختار جوهرةً ، وترك لنا فراغاً متوشحاً بالرماد.
اللهم تقبله في الفردوس الأعلى إلى جوارك ، هو عبدك وابن عبدك وابن أمَتِك ، ماضٍ فيه حكمك ، عدلٌ فيه قضاؤك ، فزد في إحسانه وتجاوز عن سيئاته، و أكتبه مع النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
(إنا لله و إنا إليه راجعون).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية