رأي

مها الرديسي تكتب: أسواق الخرطوم .. الجريمة و الغلاء !

صدى الصمت
مها الرديسي

أسواق الخرطوم .. الجريمة و الغلاء !

أصدر المدير التنفيذي لمحلية الخرطوم أحمد السماني .. قراراً في يوم 19 أغسطس يقضي بإغلاق السوق المحلي و المركزي و ذلك بإيقاف كافة عمليات الشراء والبيع بعد الثامنة مساء و منع المبيت بعد إنتهاء ساعات العمل المحددة ..و يأتي هذا القرار كمحاولة جادة من حكومة الولاية لتحجيم و محاربة التفلتات الأمنية المنتشرة بالعاصمة إلى جانب ترتيب أوضاع السوق وإيقاف السرقات الليلية التي تتعرض لها المتاجر و أشار إلى أن القرار سيعمم على كافة الأسواق بالمحلية و سيشمل القرار ساعات عمل بائعات الشاي بتلك الأسواق تزامنا مع مواعيد الإغلاق ..

الخبر كما هو واضح يخص .. الأسواق الرئيسية البائسة و المتخلفة بالخرطوم .. السوق المركزي و المحلي و هذه الأسواق التي تفتقر للبنية التحتية والتواجد الأمني و الرؤى المستقبلية لتخطيط الأسواق ..

الآن حالنا يغني عن سؤالنا ..
و الفوضى العارمة و السبهللة في السلوكيات العامة التي نعيشها في كل تفاصيل الحياة أصبحت واقعاً معاشاً يهدد بكارثة بيئية بسبب التلوث و النفايات و إنتشار الذباب و البعوض .. و مازالت أسباب التدهور العام قائمة و مستمرة و النتائج ماثلة لتلك السياسات الخاطئة و التي تجعلنا نتذوق يوميا طعم التعاسة و البؤس و الشقاء كلما دخلنا هذه الأسواق القذرة و المنتنة والتي تفوح منها الروائح الكريهة طيلة العام ، يترافق هذا الوضع البيئي المتردي داخل الأسواق والعاصمة بصورة عامة مع غلاء طاحن و غير مسبوق لكافة السلع التموينية و المنتجات الزراعية المحلية من خضر و فاكهة ، أسعار نارية و متحركة و في تصاعد مستمر و غير منطقي و لا يتناسب مع متوسط دخل المواطن البسيط و لا يتناسب و لا ينسجم مع الثبات الذي حدث للجنيه السوداني أمام الدولار الامريكي و لا يتوافق مع الإعفاء للكثير من السلع الغذائية المستوردة بعد الغاء الدولار الجمركي ..

أين هي الجمعية السودانية لحماية المستهلك و لماذا لا تقوم بدورها المنوط بها في ضبط الأسعار بالأسواق !!!؟؟

ما الحل .. حتى الآن لا توجد إجابة شافية لهذا الغلاء !!!

المشهد العام للعاصمة غير مطمئن إطلاقاً و لا يوجد إحساس بالأمان .. و كما هو معروف للجميع أن الغذاء مقدم على الأمن في كل الأحوال (أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف) ..
المشهد العام داخل العاصمة السودانية حزين و كئيب و طارد و يحتاج بسرعة للتحرك و المعالجة من قبل المسؤولين و صانعي القرار .. نحتاج لقرار على رأس كل ساعة في هذا البلد المنكوب و العمل السريع على التنفيذ و التغيير و الإصلاح بصدق و أمانة على رأس الساعة التي تلي القرار ..

أعتقد أن نكبة هذا البلد هو الإنسان نفسه .. بإعتبار أن الإنسان هو المورد البشري والأساسي و المحرك الفعلي لبقية الموارد …

الأسواق الكبيرة بالعاصمة القومية (الخرطوم ..بحري ..أم درمان) بشكلها الحالي هي بيئة حاضنة و مثالية للجريمة بكل أنواعها …

الملاحظ أن الفئة العمرية العاملة في الدرداقات و بيع أكياس النايلون داخل هذه الأسواق كمثال …هم أطفال دون ال 18 سنة … هنا يأتي الحديث و بصورة واضحة عن جنوح الأحداث ( الأطفال من عمر ال 7 إلى ما ما دون 18 سنة) وهم الفئة العمرية التي تعتبر فاقد تربوي يترك صفوف الدراسة لأسباب خاصة مثل التفكك الأسري و التشرد أو الفقر و الحاجة للمال لمقابلة ظروف الحياة فيخرج الطفل مضطرا للعمل بالأسواق العامة لكسب المال و تحمل المسؤولية ، فيحدث أن يتعامل هؤلاء الأطفال مع معطيات أكثر تعقيدا و ذلك بالإختلاط بمن هم اكبر عمرا .. يصعب هذا النوع من الحياة العملية القاسية على كثير من الأطفال داخل هذه الاسواق خصوصا و أن منظومة القيم و المثل و الضوابط الأخلاقية ما زالت في طور التشكل و التكوين .. ليصبحوا بعد ذلك صيدا سهلا للمنحرفين و الخارجين عن القانون .. هنا يتوجب علينا الحديث عن محاربة الفقر للأسر و منع أسباب التسرب الدراسي و العمل على إنشاء خدمات و برامج تستهدف منع جنوح الأحداث و فقا لبنود الإتفاقيات و إعلان حقوق الطفل في العالم …

تعتبر الأسواق بالعاصمة المثلثة بشكلها الحالي بمثابة أوكار للجريمة لتفريخ الجانحين و متجاوزي القانون من الناضجين الممارسين للأعمال الهامشية كتغطية لأنشطة غير قانونية داخل الأسواق و خارجها لذلك يأتي قرار منع المبيت و تحديد ساعات العمل بالأسواق كخطوة جادة لمحاربة الجريمة بكل أنواعها داخل المجتمع ..

ننتظر الكثير من القرارات السريعة و الفاعلة و الحاسمة لتنظيم الأسواق بشكل عام ..
أسواق السمك البدائية و القذرة بالعاصمة المثلثة و زرائب الخراف المنتشرة على طول شوارع الإسفلت ومنظر الرعاة البائس و مشهد الخراف الهائمة تحت الشمس الحارقة و الأمطار الهادرة …
لماذا لا تقوم زرائب للماشية مجهزة بصورة جيدة و بعيدة عن الاحياء السكنية .. يشد لها الرحال من كل الأطراف .. هذا ليس كثير على عاصمة دولة متحضرة !!!

ننتظر قرارات كثيرة لتنظيم حياتنا و أمورنا الداخلية و تحسين معاش الناس و محاربة الغلاء و كل الظواهر السالبة التي افسدت حياتنا و ارجعتنا للوراء …

ننتظر بصورة عاجلة قرار يمنع بصق التمباك على الطرقات العامة ..
ننتظر الكثير و الكثير منكم ..

مها الرديسي

#صدى_الصمت

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية