"الفاتح الصباغ " أيقونة مذيعي التلفزيون يغادر إلى القاهرة للاطمئنان على صحته
كادت عينا كبير مذيعي التلفزيون الأستاذ” الفاتح الصباغ” أن تنهمرا ونحن نتجاذب معه أطراف الحديث بمنزله بحي الثورة بأم درمان نهار أمس قبيل ساعات من مغادرته إلى جمهورية مصر العربية لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة للاطمئنان على صحته، بروحه المرحة وخفة ظله أنسانا “الصباغ” ألم قلبه ورئتيه، أيقونة الشاشة البلورية وصاحب الحنجرة الذهبية، تألم بصمت ولازمه التعفف فصمتت حنجرته بين جدران داره، وهو الذي إذا قرأ نشرة الأخبار الرئيسية طرب المشاهد لها وتمايل متابعة للأحداث.
ذهبنا إليه في بيته بحي الثورة، وترى في عينيه تأثراً بوقفة من بادر ومن جاءت به المبادرة داعماً، الحملة ابتدرتها (المجهر) ومتابعة الأستاذ “الهندي عز الدين”، يقول “الصباغ” ونحن جلوس بداره “أنا لا يد لي فيما يحدث، لم أر “جمال الوالي” في حياتي كما أتي لزيارتي “جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ويضيف لا ألوم التلفزيون فهو نفسه بيع للصينيين، “وناس التلفزيون ديل ذاتهم ظروفهم صعبة”، يواصل “الصباغ الحديث بروحه المرحة متناسياً آلالمه، “أغادر اليوم إلى جمهورية مصر العربية لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، ولم أحدد مشفى محدداً، وأنا متفائل جداًَ، وبدأت أحس بالراحة عقب الرعاية الطبية التي وجدتها من قبل الأطباء السودانيين، والذين لا يقلون كفاءة عن بقية أطباء العالم، بروفسير “عكاشة مهدي”، ودكتور “عبد الحليم إسماعيل اختصاصي الصدر، بالإضافة للدكتور “محمد الواثق”، لقد اهتم بي هؤلاء الأطباء وكنت في بادئ الأمر قد شعرت بتورم في جسدي وبخاصة عند الأرجل قبل ثلاثة شهور، ولم أكن أعلم أن لما حدث علاقة بالقلب والرئتين، الأمر الذي أجبرني على مقابلة الأطباء للمرة الأولى في حياتي، وكنت قبلها أقابل الجمهور عبر الشاشة.
على طريقته الخاصة يواصل “الفاتح الصباغ” حديثه وسط قفشاته وضحكاته الصافية، يضيف لقد وجدت الأطباء بعكس ما كنت أتصور، وهم اكتشفوا أن هنالك ضيقاً في الشعب الهوائية ناتجاً عن تطور مرض “الربو” الذي أعاني منه وهو زاد بفعل عامل السن، يستطرد لقد كشفت لي ظروف مرضي حب الناس لي، وتداعي كل الإخوة والزملاء داخل وخارج السودان للاطمئنان علي، حتى زملائي بالقنوات الفضائية الخارجية بما فيها “قناة الجزيرة”، كما جسد لي “عبد الله محمد الحسن” معنى الوفاء وكان مصراً على سفري حيث بذل محاولات كثيرة في هذا السياق، حتى فاجأني بقوله “خليك جاهز عشان تسافر” وكان لهذه الكلمة وقع كبير على نفسي من زميل أحترمه وأقدره كثيراً، أما ابني “طارق أبو شورة ” فكان مثالاً للرقي وظل يهاتفني من الأردن يومياً، وكان يتمنى أن أذهب إلى الأردن لتلقي العلاج حيث يقيم.
للأستاذ “الفاتح الصباغ” ابنتان أكملتا الجامعة، وابن يدرس بكلية التقانة، وكان تقاعده في العام (2009)،ويقول عن نفسه إن صلته لم تنقطع عن التلفزيون و”لن تنقطع ما دمت حيا” يؤكد هو، وسبق أن أوكل له تدريب المذيعين وتأهيلهم، وبروحه تلك يروي بعضاً من مواقف طريفة مرت به في مرضه، فيقول “كنت خارجاً من غرفة العناية المكثفة في مستشفى “البقعة” وفجأة وجدت أمامي ذلك الرجل الضخم ذي الجلباب الأخضر والطاقية الخضراء “عابدين درمة”، فقلت في نفسي ماذا يحدث؟ وكان الرجل ما زال يتجه نحوي وحينما تأكدت أنه هو قال لي “اااي يالفاتح الصباغ جينا نزورك قبل تزورنا، قلنا نكون أحسن منك”، وقبل أن يزورني مدير التلفزيون الأستاذ “محمد حاتم سليمان” في منزل أختي الفخم بالحلفايا قلت له أنا الآن في “شرم الشيخ” ووقتها كانت احتجاجات العاملين بالتلفزيون مشتعلة فقال لي ” وأنا جاييك من ميدان التحرير”، أما الموقف الذي هز “الصباغ” حينما جاءه شاب عشريني في المستشفى وعرفه بنفسه وقال له أنا معجب بك لسببين أولا لأنك مذيع جيد، والثانية لأنك تشبه والدي ، يقول “الصباغ طلب مني ذلك الشاب منحه اسمي وقال لي بالحرف الواحد “أديني اسمك دا ،أدفعو لي”، فقلت له “انت شايف إنو أنا خلاص ماشي، مبروك عليك بس رجع لي الباقي”.
أطلق على المذيع الكبير “الفاتح الصباغ” “القشاش” و”المجري” لأسلوبه السريع والجيد في نشرة الأخبار، وذلك منذ الثمانينيات، وبعد مرور كل تلك السنوات هذا الأسلوب هو النموذج الأمثل الذي يتبع الآن، وهو بالمقابل يقول حينما أقوم بتدريب المذيعين الآن أقول لهم “الدسك دا عندو أسرار فملامح الوجه لها دور والتعامل مع الورق والآلات ،أنظر ل”ضو البيت” رحمه الله كيف كان يضع ورقة الأخبار بعد قراءتها.
ونحن نهم بمغادرة منزل “الصباغ” حضر وفد من الأمانة العامة لديوان الزكاة في زيارة تفقدية للرجل برئاسة مدير عام المصارف “محمد عثمان جعفر” بتوجيه من الأمين العام بالإنابة “محمد عبد الرازق مختار” برفقة مدير الإعلام “معاوية عبيد “ومدير الإنتاج الإعلامي “يسري السيد” والمصور “الطائف”، وقدموا له مبلغاً مقدراً من المال دعماً لعلاجه، تقديراً لدوره الوطني ومجهوداته في مجال العمل الإعلامي، وفوجئ “الصباغ” بهذه البادرة شاكراً لهم صنيعهم ومبادرتهم، وكل من وقف إلى جانبه.
قرأ “الصباغ” لمن لم يحضر زمانه خبر موت الرئيس “السادات”، كما قرأ خبر مفاصلة الرابع من رمضان، وقبلها بيانات تأييد انقلاب الإنقاذ، كما قرأ موت فيل حديقة الحيوانات قبل أن تذهب مع ريح برج الفاتح.