الوزير والقيادي الاتحادي "حسن هلال" في حوار الحبل الممدود بين البيئة والسياسة
الأستاذ “حسن هلال” القيادي الاتحادي ووزير البيئة والغابات والتنمية العمرانية، دخل التاريخ كأول شخصية دستورية سودانية تتقلد رئاسة المجلس الأعلى لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فضلاً عن خطواته الذكية في ربط البيئة كسلاح جبار ومؤثر في قضايا المجتمع ودهاليز السياسة، فهو عازم على خلق التداخلات السحرية والخيوط المتماسكة والحبل الممدود بين (السياسة والبيئة والإنسان) في دقة متناهية، وقدرة عجيبة من خلال المفاجآت السعيدة والقرارات غير المسبوقة في المستقبل.
في هذا الحوار الاستثنائي يؤكد الوزير “حسن هلال” في شجاعة واضحة بأن شراكة حزبهم مع المؤتمر الوطني قضية وطنية لا تقبل المساومة، ويصف الهجوم على سياسة وزارته بالمسلك الانصرافي المبتذل، ويتمنى قيام الوحدة الاتحادية الشاملة.
الوزير “حسن هلال” ينتمي إلى أسرة عريقة في قبيلة الميرفاب بمدينة بربر تعمل بالتجارة والمقاولات، واللقاء معه كان شفافاً ومفتوحاً.. فإلى مضابطه..
{ كيف وجدت أوضاع البيئة من خلال تسلمكم أعباء وزارتكم؟
– يجب أن نعرف بأن الاهتمام بالبيئة جزء من الأناقة والحضارة، والمجتمعات التي تولي مسألة البيئة الرعاية الكبيرة والمتابعة الدقيقة تصنف في خانات المجتمعات الراقية والمتعافية، لذلك نرى علاقة الإنسان والبيئة في الدول المتقدمة تشكل ملحمة ثنائية واضحة المعالم.
لقد وجدت أحوال البيئة متردية للغاية تحتاج إلى العلاج السريع والنظرة الثاقبة حتى لا يتفاقم الأمر إلى أوضاع كارثية.. من هذا المنطلق قمنا بتشكيل لجان فنية في إطار خطة إستراتيجية شاملة، تهدف إلى معالجة جميع الآثار البيئية السالبة، المتمثلة في ضعف القطاع الشجري، وانحسار الغابات، وانبعاث الغازات الضارة في الهواء، وقد قطعت اللجان شوطاً مقدراً في إنجاز المهام الصعبة التي أوكلت إليها.. وشعارنا الواضح خلق الصداقة العضوية بين الإنسان والبيئة في إطار تفادي جميع المخاطر البيئية التي تضر المجتمع.
وكذلك شرعنا في إنشاء معمل بيئي، واستجلاب أدوات لرصد المخاطر البيئية، بجانب الاهتمام بتدريب الكوادر البشرية بالوزارة في سياق قيام القوة المدربة بالعلم والتكنولوجيا بمواجهة المهددات البيئية في المستقبل.
{ السيد الوزير.. بصراحة يقال إن ثقافة البيئة جديدة على المجتمع السوداني؟
– قد تكون هذه المعلومة تحمل قدراً كبيراً من الصحة.. والشاهد أن مجتمعنا تقليدي يفتقر إلى الوعي والاستنارة والتربية البيئية السليمة، خاصة في الزمن البعيد، بل ما زال البعض منا ينظر إلى موضوع البيئة بشيء من الغرابة وعدم الاكتراث!! ونحن في سباق مع الزمن لخلق المعرفة العميقة بدور البيئة الأساسي في المجتمع، وتعليم النشء والجيل الصاعد ماهية البيئة وأبعادها في الحياة.. لابد أن تكون هنالك دراية بالنظام المناخي والتغيرات المتوقعة على كوكب الأرض وآثارها على المجتمع السوداني، فضلاً عن دور النظافة المتعاظم في تصحيح البيئة، وأيضاً الإلمام بالوسائل الناجعة حول تلافي موجات الجفاف والأعاصير والفياضانات. وهنالك حبل ممدود بين السياسة والبيئة لحدوث التلاقح المشترك بينهما، فالبيئة عندما تكون متطورة ومتحضرة تعني وجود حياة متكاملة من الرفاهية والنماء للمواطنين، وبذلك تتأطر في القالب السياسي، وأمامنا دور ومؤثرات البيئة في الانتخابات الأمريكية وأوروبا الغربية.
{ يرى البعض أن دوركم في الإصلاح البيئي ومعالجة فاقد الغابات لم يرقَ إلى مستوى الطموحات المأمولة؟
– الحكم على الأمور لابد أن يكون واقعياً وموضوعياً، فالطريق محفوف بالأشواك والحصرم بخلاف مشاكل التمويل والتراكمات الأخرى. في تقديري ما قمنا به حتى الآن يعدّ في خانة الخطوات الجبارة، فهنالك هشاشة بيئية بالسودان.. وهذا الواقع المرير دفعنا إلى وضع خطة إسعافية تقود في نهاية المطاف إلى قيام البصمة البيئية في بلادنا، ولك أن تتصور حجم هذا الجهد الطويل وما يعتريه من أهوال ومطبات وتعقيدات!! وعلى صعيد معالجة فاقد الغابات، بدأنا بتنفيذ مشروع شجرة التلميذ، وأرسينا دعائم حماية التشجير ورفض أساليب القطع والحرق، ورأينا أن يكون الغرس في المنزل والمدرسة والشارع.. علاوة على ذلك، اتخذنا قراراً بزراعة الغابات والأشجار بنسبة (10%) للزراعة المطرية، و(5%) للزراعة المروية، ورفع سعة المشاتل المركزية إلى أقصى حد ممكن وإعطائها الشتول والبذور دون مقابل، فضلاً عن تشجيع المشاتل في القطاع الأهلي بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني.
{ ماذا يعني اختياركم رئيساً للمجلس الحاكم لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة؟
– الفضل دائماً يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، فضلاً عن جهودنا المضنية في مجال تطوير البيئة من خلال مشروع حيوي وإستراتيجي يدغدغ أحلام الحاضر والمستقبل وجد الاستحسان والقبول من المؤسسات والمحافل الدولية.. لقد جاء الاختيار في الدورة (27) للمجلس الحاكم والمنتدى البيئي العالمي الذي عُقد بالعاصمة الكينية نيروبي في فبراير المنصرم، وقد تم الاختيار من (193) دولة، وتستمر رئاستنا حتى فبراير 2015م.
وقد جاء في حيثيات القرار ما يلي: (لقد وقع اختيارنا على معالي وزير البيئة السوداني حسن هلال ليكون رئيساً للمجلس الحاكم لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ارتكازاً على دوره الفاعل في الارتقاء بقضايا البيئة، من وحي كفاءة عالية وعلم غزير ونشاط دافق، وهو أهل لهذا المقام، متمنين أن يكون هذا الاختيار فرصة استثنائية لخدمة سجل البيئة والتنمية المستدامة في بلاده).. وحصولنا على هذا الاختيار الرفيع يمثل قلادة من ذهب على جِيد الشعب السوداني، وملحمة إبداعية لا تقدر بثمن، وسنكون بإذن الله على قدر التحدي والمسؤولية سيما وقد وصلتنا العديد من البرقيات والاتصالات على مستوى الحكومات والهيئات والشخصيات الدستورية، من الداخل والخارج، تزف التهنئة الخالصة بهذا الاختيار.
وعلى منضدة وزارتنا مشاريع هائلة تواكب العصر وتعكس عصارة العقول الذكية والعزائم الأكيدة، حيث قدمنا مشروع السياج الأفريقي الكبير الأخضر بعد أن وقعنا اتفاقية مع البنك الدولي لتمويل هذا المشروع القاري الضخم، الذي يشكل نقلة نوعية لزيادة التشجير وإيقاف الزحف الصحراوي، وتأهيل الغابات والمراعي.. وأيضاً هنالك مفاجأة في الطريق ترتكز على إيجاد بديل من ألمانيا للزئبق، الذي يشكل أكبر مهدد للبيئة بناءً على انبعاث دخانه في مناطق الذهب والأماكن الأخرى.
{ السيد الوزير.. تلاحظ أن هنالك حملة إعلامية منظمة تهاجم سياستكم في مجال البيئة؟
– (متهكماً).. في النظرية العلمية (الفيل يراه الأعمى من المكان الذي يلمسه)!! لا أريد تحميل الأشياء أكثر من ما تحتمل!! لا توجد حملة إعلامية تهاجمنا إطلاقاً، بل هنالك العديد من الأقلام عكست سياستنا في الوزارة من الزاوية الإيجابية انطلاقاً من أسس موضوعية ومنطقية، باستثناء الكاتب “صلاح عووضة” الذي هاجمنا مستخدماً العبارات المحمومة والكتابة الانصرافية المبتذلة، وهو لا يعرف شيئاً عن مساهماتنا المتعددة على المستوى الوزاري، وقد قام الأستاذ الصحافي “هساي” بالواجب مشكوراً.
{ عفواً سيادة الوزير.. ننتقل إلى مجال حزبكم.. ماذا عن الاستعدادات لقيام المؤتمر العام للاتحادي الديمقراطي المسجل؟
– المؤتمرات الحزبية دائماً صيغة إبداعية لتطوير التنظيمات السياسية وإضفاء عنصر الجمال والمتانة والحكمة على هياكلها، حتى تنطلق على مفاهيم الصراط الديمقراطي وماعون الشفافية، فالشاهد أن الاستعدادات والتجهيزات لقيام المؤتمر العام لحزبنا قطعت شوطاً كبيراً، واضعين في الاعتبار أن تكون المناسبة المهمة حدثاً فريداً يفتح الطريق إلى مرحلة جديدة تحمل الدلالات العميقة والمعاني البليغة.. فهنالك التصميم الأكيد من الأعضاء بأن تؤدي مخرجات المؤتمر إلى قيام حزب عصري يعانق الجوزاء تتلاقح في أروقته حكمة الشيوخ وحداته الدماء الشابة!!
{ كيف ترى ثمار الشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني وحزبكم؟
– مصلحة الوطن تشكل الرابطة الذهبية بين حزبنا والمؤتمر الوطني، ولم يكن دخولنا قطار السلطة للحصول على الغنائم والفوائد، فالقضية الوطنية أكبر من المناصب والكراسي.. هكذا تعلمنا من القائد “الشريف زين العابدين الهندي” في إطار مبادرة الحوار الشعبي الشامل التي ارتكزت على آلية التفاوض والمحاججة للوصول إلى مرحلة قيام الانفتاح والتنظيمات المتعددة.. والشراكة مع المؤتمر الوطني غير قابلة للمساومة، فهي خطوة ذكية في التاريخ المعاصر نحاول من خلال أعمدتها القضاء على مهددات الوطن، وملامسة لوحة المستقبل في بلادنا، فالشاهد أنها طوق النجاة من الانفلات والمهددات والتمزق.
{ سؤال أخير.. البعض يتحدث عن قيام وحدة مرتقبة بين مولانا “محمد عثمان الميرغني” والدكتور “جلال الدقير” في المستقبل؟
– (أجاب سريعاً).. الذين يطلقون مثل تلك الأقاويل لماذا لا يفكرون في قيام وحدة شاملة بين جميع أطياف حزب الوسط الكبير؟! إنني على المستوى الشخصي اتمنى أن تعانق الوحدة الاتحادية الشاملة أرض الواقع، وتجتاز مرحلة الرغبات والأشواق.. (يا ليتها تتحقق!!).